
كشف تقرير صدر في تموز (يوليو) 2025 أنّ الأنشطة الرقمية لتنظيم داعش ما تزال تلعب دوراً محورياً في جهوده الرامية إلى دعم ونشر الدعاية الجهادية، وتطرف الأفراد عبر الإنترنت، وتجنيد الأتباع بوتيرة متسارعة، مع التركيز بشكل خاص على القاصرين، وفق المركز العربي لدراسات التطرف، مشيراً إلى أنّه قد كشفت دراسة أخرى أجريت عام 2024 أنّ 87% من السلفيين الجهاديين أظهروا تفاعلاً عبر الإنترنت. ويتواصل القاصرون الذين يسيرون في طريق التطرف إمّا مع أقرانهم وإمّا مع جهات خارجية مجهولة، تزودهم بالمعلومات والصور ومقاطع الفيديو العنيفة الدموية.
ويردف: “تواجه وكالات مكافحة الإرهاب حقيقة أنّ المهاجمين والمخططين والداعمين للإرهاب أصبحوا أصغر سناً من أيّ وقت مضى. على سبيل المثال، كان ما يقرب من ثلثي الاعتقالات المرتبطة بتنظيم داعش في أوروبا خلال تسعة أشهر بين عامي 2023 و2024 من المراهقين. هؤلاء الشباب غالباً ما تأثروا بالمحتوى المتطرف شديد العنف المستهلك عبر الإنترنت. حتى “شبكة 764” الشبكة العالمية للمجتمعات الإلكترونية التي تمجد العنف، بما في ذلك الابتزاز الجنسي، وتوزيع مواد الاعتداء الجنسي على الأطفال، والتجسس الإلكتروني، وتبادل الـ “سيم كارت” (وحدة تعريف المشترك)، والتشهير الإلكتروني، تستهدف وتستغل الأفراد الضعفاء عبر الإنترنت، وخاصة الأطفال“.
إذاً، خطورة هذا التحول تكمن في أنّه يضفي شرعية رقمية على التطرف. وهكذا يصبح الجهاد الاتصالي هو الوجه الجديد للدعاية الجهادية، حيث يهدف إلى تحويل الوسيلة الاتصالية إلى ساحة صراع رمزي، تُدار فيها المعركة على مستوى الإدراك أكثر من الميدان. وبحسب تقرير لمعهد واشنطن، كان من اللافت ازدياد قدرات الجماعات المسلحة المتشددة التابعة لـ “الإخوان المسلمين” على مرّ الزمن. وكما ذكر الباحث مختار عوض في تقرير “مسح الأسلحة الخفيفة” في تموز (يوليو) 2017، فإنّ الموجة الأولى من المسلحين التي برزت بعد عزل مرسي لم تكن مدربة، وكانت مسلحة بقنابل مولوتوف ومسدسات صغيرة. غير أنّه في منتصف 2016 أظهر صعود “حسم” و”لواء الثورة” أنّ هذه الجماعات أصبحت مدربة بشكل جيد وباتت تملك أنظمة فعالة للقيادة والتحكم ووسائل اتصال محترفة.
وفي حين استهدفت عموماً كبار المسؤولين الأمنيين المصريين ومراكز الشرطة، استجابت هذه الجماعات أيضاً إلى دعوات متزايدة داخل جماعة “الإخوان” لاستهداف المدنيين: فقد حاولت “حسم” اغتيال مفتي الجمهورية السابق علي جمعة في العام الماضي، كما نشر “لواء الثورة” لائحة بالشخصيات المستهدفة شملت رجال أعمال بارزين وصحفياً وقاضياً ومحامياً قبطياً.
في كتاب “مشاهدة القتل: داعش، فيديوهات الموت والتطرف” الصادر عام 2022، الذي يستكشف “فيديوهات القتل الجهادية والأشخاص الذين يشاهدونها على الإنترنت“، يكتب المؤلف سيمون كوتي أنّ أهوال تنظيم داعش “ما تزال حية في غياهب الإنترنت، حيث يشاهد عشاق الدم، ويحررون، ويشاركون، ويعلقون على لقطات فيديو لأفظع جرائمه، بما في ذلك التعذيب والقتل الجماعي”. عشاق الدم، الذين يُقال إنّهم غالباً ما يعترفون بأنّ دوافعهم فضولية ودنيوية، يحبونها لأنّ “الدم يخبرهم بالحقيقة كما هي”، و”ينبههم” إلى الواقع الوجودي ونطاق الشر البشري.
وتُشكّل “مواقع الدم” عنصراً أساسياً في الخلافة الافتراضية التي تروج لها منافذ تنظيم داعش والجماعات التابعة له. وقد أسهمت هذه المواقع في إعادة تشكيل الإرهاب الجهادي ليصبح ظاهرة عابرة للحدود. ويتسم النظام البيئي الجهادي الرقمي ـ الذي يعتمد على التراسل عبر الإنترنت، والتجنيد الافتراضي، وتنسيق الهجمات ضمن مساحات مشفرة ـ بالديناميكية، والتوجيه الذاتي، والانتشار العالمي.
وفق المركز العربي لدراسات التطرف؛ على “مواقع الدم” يتم تحسين جودة العديد من مقاطع الفيديو التي تعرض مشاهد إعدام بمؤثرات بصرية وتعليقات توضيحية، وغالباً ما تُقرن بالموسيقى لإضفاء لمسة جمالية على العنف. وقد وُجد أنّ مستخدمي هذه المواقع يتفاعلون بنشاط مع بعضهم البعض من خلال نشر لقطات مقربة من مقاطع فيديو الإعدام في قسم التعليقات على المنشورات.
عليه، فالنتيجة هي تحويل الحرب أو النزاعات الدموية إلى سردية تختلط فيها الصورة بالصوت والحركة والمعنى بالرمز، وتتشكل من خلال المشاهد المصنوعة عبر زوايا الكاميرا الدوائر النفسية التي ينبعث منها الأثر النفسي والمعنوي المطلوب، وصناعة الانفعالات الغرائزية، الأمر الذي يحقق المآلات المطلوبة والملحة للإسلاموية في سياقات بناء العنف القائم على المظلومية وإبراز الضحايا والمعاناة الإنسانية كدعائم لبناء المشاعر وحشد الدعم السياسي والاجتماعي والإيديولوجي. هذا ما حدث في سياقات متفاوتة، منها حرب غزة، وفي سوابق أخرى منها تأزم وضع الإخوان بعد ما عُرف بـ “الربيع العربي”، سواء في مصر أو تونس أو المغرب.
فالاستفادة من شبكات الجمعيات والخدمات الإغاثية، واستخدام منصات لجمع التبرعات، وتنظيم حملات مساعدات، واستغلال هذه الأنشطة لربط المتبرعين بالشبكة الإسلاموية الأوسع ومدار نفوذها الحركي أو الإيديولوجي، الأمر الذي برز مع ما عُرف بحملات “قوافل الصمود” وشكلها الاحتجاجي الرمزي على دول لا تُعدّ ضمن الحواضن الإقليمية للإسلام السياسي رغم دورها الواضح سياسياً ودبلوماسياً، بل على المستويين الإنساني والإغاثي لإنهاء الوضع المأزوم في غزة.
ففي حرب غزة تحوّل خطاب الإخوان الرقمي غالباً إلى أداة تعبوية للتأثير في قطاعات محلية ودولية، الأمر الذي بدا ظاهرياً أنّه يميل إلى غزة، لكنّه في الحقيقة يواصل تحريضه ضد أطراف إقليمية محددة تصنفها ضمن دائرة خصومها السياسيين والإقليميين لعدم دعمهم المشروع الإسلاموي.
			
			
			