
من فضائح الانتهاكات الجنسية إلى التحول الجذري في ديمغرافية الكنيسة الكاثوليكية، يستعد الكرادلة لقضاء الأسبوعين المقبلين في مناقشة أبرز التحديات التي تواجه الكنيسة ومستقبلها، وذلك قبيل انطلاق المجمعات الانتخابية لاختيار خلف للبابا فرنسيس.
فبعد ساعات قليلة من إعلان وفاته، وجه عميد مجمع الكرادلة، الكاردينال جيوفاني باتيستا ري، دعوة إلى الأساقفة للاجتماع في روما والمشاركة في الاجتماعات العامة التي بدأت الثلاثاء.في هذا الإطار، رأت صحيفة “لوموند” في تقرير لها أن هذه المهمة ستكون شاقة، نظرا لتنوع خلفيات الكرادلة الـ252، من بينهم 135 يحق لهم التصويت، إضافة إلى تباين الاهتمامات بحسب المناطق الجغرافية المختلفة. إذ سيكون على البابا المقبل التصدي للقضايا التي تمس إيمان 1.4 مليار كاثوليكي، وروحانيتهم، وممارساتهم الدينية، وعلاقتهم بالكنيسة وبالعالم.
وستتصدر مواصلة الجهود التي أطلقها البابا الراحل لمعالجة ملف العنف الجنسي داخل الكنيسة أولويات البابا الجديد. وذكرت الصحيفة أنه لا يكاد يمر أسبوع دون الكشف عن قضية جديدة في أحد أنحاء العالم، ما يعكس أن الطريق لا تزال طويلة أمام الكنيسة رغم الخطوات التي اتخذها البابا فرنسيس.
ففي حين شرعت دول مثل فرنسا وألمانيا وبلجيكا في مسار الاعتراف والتعويض لضحايا الانتهاكات، لا تزال العديد من الكنائس في إفريقيا وآسيا تعتبر هذا الموضوع من المحرمات.
من جانب آخر، سلط التقرير الضوء على مسألة أخرى ستكتسي طابعا ملحا بشكل خاص في الدول الغربية، وهي تراجع الإقبال على الكنائس وانخفاض عدد الدعوات الكهنوتية. ففي ألمانيا وحدها، غادر أكثر من نصف مليون شخص الكنيسة عام 2022. أما في فرنسا، ورغم ارتفاع عدد المعموديات لدى البالغين، فذلك لا يعوض التراجع العام في عدد المؤمنين المعمدين.
وأشارت “لوموند” إلى أن المجتمعات الغربية تشهد وتيرة متسارعة من العلمنة، في حين يبتعد المؤمنون تدريجيا عن الكنيسة. وسيكون على الكرادلة، كما على البابا المقبل، العمل على إعادة إحياء جاذبية الكاثوليكية في البلدان الغربية، التي بدا أحيانا أن البابا فرنسيس يوليها اهتماما ثانويا.
أما في مناطق أخرى، لا سيما في إفريقيا، فستُطرح ضرورة إيجاد سبل للحفاظ على المؤمنين، الذين ينجذب عدد كبير منهم إلى التيارات الإنجيلية المتنامية.
وفي الآونة الأخيرة، تفاقم الانقسام حول قضايا عدة مثل الطقوس الليتورجية (القداس وفق الطقس القديم أو الحديث)، والمسائل الأخلاقية، وقبول المثليين، والعلاقة مع العالم المعاصر، مما أدى إلى انشقاق واضح بين معسكرين: ليبرالي ومحافظ. وبالتالي، سيكون على البابا الجديد معالجة هذه القضايا، في ظل هاجس أكبر يتمثل بالحفاظ على وحدة الكنيسة.
في هذا السياق، برز مقال آخر لموقع “فوكس” تحت عنوان “يجب على الكنيسة الآن مواجهة حقيقة مؤلمة”، حيث أشار إلى تراجع المسيحية في أميركا الشمالية وأوروبا الغربية. إلا أن المسيحية تشهد نموا في أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا، سواء نتيجة لارتفاع معدلات المواليد أو بسبب التحويلات الدينية. وتشير بعض التقديرات إلى أنه بحلول عام 2050، سيعيش 78% من مسيحيي العالم في الجنوب العالمي. وبالأخص، شهدت المسيحية في إفريقيا نموا هائلا، حيث تشير البيانات إلى أنه بحلول 2050، سيعيش 40% من مسيحيي العالم في إفريقيا.
ويرى الموقع أن انتخاب بابا جديد يجب أن يمثل هذا التغيير الطارئ على الكنيسة، مضيفا: “رغم أن البابا فرنسيس كان بالفعل أول بابا من أمريكا اللاتينية، باعتباره ابن مهاجرين إيطاليين إلى الأرجنتين، إلا أنه جاء ضمن الإطار الثقافي والمسار التاريخي للكاثوليكية في جنوب أوروبا. من الصعب رؤيته تماما كـ”بابا من الجنوب العالمي”.