مبارك: كيف انتقل جزء الاموال المجمدة “من يد دكتاتور الى دكتاتور”

حسب الشكل الظاهري قامت السلطات الفرنسية بتجميد ارصدة مبارك واولاده واقاربه وعصابته لوجود شبهة فساد في غسيل وسرقة هذه الاموال، ولكن رغم ذلك قاموا بطرق ملتوية وقوانين مسامية بسحب هذه الامول او معظمها من بين اصابع العدالة الفرنسية بسهولة ، كما فعلت ذلك ايضا البنوك السويسرية  حيث أغلق الادعاء السويسري تحقيقا استمر عشر سنوات، دون توجيه أي اتهامات بشأن مزاعم غسل الأموال والجريمة المنظمة المرتبطة بالدوائر المقربة من الرئيس الأسبق مبارك، وأعلن الإفراج عن حوالي 400 مليون فرنك سويسري (430 مليون دولار) مجمدة في البنوك السويسرية. وكما يقول المضطلعون على اسرار هذه الحسابات “لتتبع أصول الديكتاتور الحالي، يكفي تتبع أصول الديكتاتور السابق – إنها هي نفسها” حيث تم استخدام مبدأ “شيلنى واشيلك” او “الفساد يحمي الفساد”

قام الوزير السابق في عهد مبارك “رشيد محمد رشيد وزوجته بنقل جميع أسهم “SCI 51 Avenue Montaigne” لفائدة بناتهم في فبراير 2013 وبذلك أفلت مبلغ مليون يورو من العقارات (قطعتا أرض في باريس وشقة في مدينة كان)، من قبضة العدالة الفرنسية. واما الفاسدون الآخرون قاموا بتغيير عنوان المقر الرئيسي، أو إعادة تسمية الشركة أو حتى رهن العقارات، وكذلك الاحتيال في معاملات مالية معتبرة. والدليل على ذلك، السداد المبكر لقرض عقاري (عملية الاحتيال غير مفهومة في هذه الحالة)

في أبريل 2011، في إطار اقتناء العقارات المملوكة جزئياً من هايدي راسخ، زوجة ابن الرئيس المصري مبارك، في صفقة تقدّر قيمتها بما يقرب من 4 مليون يورو. هذه العملية قد صادق عليها بنك Credit Suisse –  مع العلم أنها لم تكن العملية الوحيدة من نوعها لاستعادة الاموال.

وبين عامي 2011 و 2014، أجرى والد هايدي، محمد راسخ، أيضاً، تحويلات بنكية عدة بلغت قيمتها الإجمالية ما يقرب من 3 ملايين يورو لفائدة ابنته الأخرى،وقد صادق بنك Credit Suisse على هذه التحويلات البنكية أيضاً.

 يشكّل ما سبق خرقاً  للمادة 561-2 من القانون النقدي والمالي، الذي يُعَرّف المالكُ الفعلي، باعتباره كل شخص “مُعرض” بسبب وظائف يمارسها “أفراد مباشرون من عائلته أو أشخاص معروف أنهم جدّ مقربين منه أو شخص يصبح كذلك، من خلال علاقة العمل”.بالإضافة إلى ذلك، تفيد معلومات بأن هايدي راسخ شرعت خلال هذه الفترة إلى فتح ما لا يقل عن 6 حسابات مصرفية لتلقّي تحويلات من والدها، هذه المرة في الفرع الباريسي للمؤسسة اللبنانية للبنك السعودي.

على رغم إعلان المؤسستين المصرفيتين أنهما تصرفتا وفقاً للقوانين الفرنسية المعمول بها في تلك الفترة، إلا أن هذه الوقائع تمثل مجموعة من الانتهاكات الواضحة، الخاصة بتجميد الأصول الجاري تنفيذه آنذاك، وفقًا لمحامي خبير في العقوبات الاقتصادية .

خلال عام 2016، سمحت إحدى هذه العمليات الاختراقية للمصادرة بنقل إدارة مبنى الكائن بـ 1 ساحة ريو دي جانيرو، بيدي عميد بحري، تابع لنظام السيسي .“1 ساحة ريو دي جانيرو” هو عنوان مطعم فالوا (Valois)، الكائن أسفل أحد مباني الطراز الهوسماني المميّز، في الدائرة الثامنة الفاخرة جداً في باريس، هناك يجتمع موظفون ورجال أعمال لتناول وجبة الغداء.

ما لا يعرفه سوى النزر القليل من الناس، هو أن هذا المبنى الفاخر الذي تُقدر قيمته بأكثر من 10 ملايين يورو، يديره عسكري مصري مُقرب من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عبر شركة تأمين مملوكة للدولة المصرية. كمْ تغير الزمن!، قبل سنوات قليلة فقط، كان تأسيس هذه الشركة العموميّة مرتبط باسم الرئيس مبارك.

نقل إدارة هذا المبنى في مكتب سجلات باريس، تم بهدوء لا يقارن بمسيرة تغيير النظام في مصر، إذ كان يكفي إيداع طلب في المحكمة التجارية في باريس ليتم الأمر . ومع ذلك، أثارت هذه الوثيقة/ الطلب، تساؤلات حول نجاعة تطبيق إجراء “تجميد الأصول” في فرنسا، بالنظر إلى الشكوك التي كانت تحوم حول المبنى منذ عام 2011 باعتباره “مبنى مبارك”.

تشمل عملية التجميد أكثر من أربعين شخصية مصرية وتونسية، وتهدف العملية إلى منع أي استخدام أو إبرام صفقة أو تعديل لممتلكاتهم، أياً كانت، سواء حسابات بنكية أم شركات أم سيارات أم حتى عقارات، وكان الهدف المعلن من وراء عملية التجميد: دعم التعاون بين العدالة الأوروبية والتونسية والمصرية على أمل استعادة الدول المنهوبة ممتلكاتها وأرصدتها. إلا أن هذه الأحكام الصادرة من المحاكم، شهدت على مدار 11 عاماً، عمليات تحايل 30 مرة.

ويقول وزير مصري سابق، يعيش حالياً لاجئاً سياسياً في سويسرا، “الميزة التي يجنيها السيسي اليوم، أن الأمر لن يكلفه الكثير من العناء لاستعادة ممتلكات مبارك”، ويضيف الوزير السابق مبتسماً بمرارة، “لتتبع أصول الديكتاتور الحالي، يكفي تتبع أصول الديكتاتور السابق – إنها هي نفسها!”.

“أراد السيسي معرفة الدوائر المالية لمبارك – وقد نجح إلى حد كبير في تحقيق مبتغاه. ومن سمات الاقتصاد المصري أنه يقوم بالكامل عبر تدفقات مالية خفية والشركات القائمة خارج الوطن، ومجموعة الهدايا الممنوحة في شكل عقود خاصة أو صفقات عمومية. إن الممارسات نفسها تسود اليوم، لم يتغير أي شيء”.

ويعد المبنى المُقدرة قيمته بنحو 10 ملايين يورو (1 ساحة ريو دي جانيرو) حالة نموذجية بامتياز، وفق الوزير الأسبق.  إذ تحوم الشكوك حول ملكية  هذا المبنى لعائلة مبارك منذ عام 2011. وحتى وقت قريب جداً، كانت المعلومات الوحيدة المتوافرة بشأن مالكي المبنى، تقتصر على اسم الشركة “شركة التأمين المصرية” واسم مدير المبنى، الذي لم يُعثر له على أثر. 

كشفت الوثائق الجديدة التي قدمها مكتب سجلات محكمة باريس التجارية في عام 2018، أن الشركة المعنية هي فرع فرنسي لشركة التأمين المصرية، المعروفة باسم “مصر”، وهي مؤسسة عمومية تأسست بموجب مرسوم صادر عن الرئيس مبارك في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

والغريب في الأمر، أن هذه الشركة تدار منذ عام 2016، حسب المعلومات المتداولة، من فرد تبدو كفاءته بعيدة كل البعد من مجال التأمين؛ يتعلق الأمر بالعميد البحري أسامة صالح، ممثل وزارة الدفاع المصرية سابقاً. وقد نُقلت مهام إدارة الشركة، بحيث لم يستطع لا التحقيق القضائي ولا عملية تجميد الأصول، من منع العملية.

“السيسي يعامل أقاربه تماماً كما كان مبارك يعامل أقاربه، أي باختصار، كونوا أوفياء لي وسأمنحكم شركة مملوكة للدولة”، لا توجد حدود فاصلة بين القطاعين العام والخاص في مصر، هذا جوهر معنى منظومة النهب: الحكم بتوظيف الفساد،” هكذا يختم الوزير الأسبق تعليقه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *