
يقول قادة الاحتلال الإسرائيلي إنهم “لا يريدون حرباً في لبنان، لكنهم مستعدين لأي سيناريو”. وقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خلال زيارة للحدود اللبنانية الشهر في يوليو/حزيران إن “إسرائيل مستعدة لعملية مكثفة للغاية”. وفيما هدد وزير الدفاع يوآف غالانت بـ”إعادة لبنان إلى العصر الحجري” على حد تعبيره.
لكن خلف هذه المواقف يتكشف واقعاً آخر، حيث تقول صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية إن هناك مخاوف متزايدة داخل إسرائيل من أنها غير مستعدة لحرب على الجبهة الشمالية٬ حيث إن جنودها مرهقون للغاية٬ فيما نضبت موارد الجيش بعد أطول حرب تشهدها إسرائيل منذ تأسيسها عام 1948.
ولم تتمكن 9 أشهر من الحرب الطاحنة ضد قطاع غزة و”الهجمات العقابية” ضد “حماس” من هزيمة الحركة٬ كما أن نتنياهو المحاصر سياسياً لم يحدد بعد استراتيجية خروج من الحرب في القطاع. أما في لبنان، ستواجه إسرائيل عدواً أكبر حجماً وأفضل تسليحاً وأكثر احترافية -كما يحذر الخبراء أمريكيون وإسرائيليون- فضلاً عن التهديد بمستنقع عسكري أعمق.
تقاتل إسرائيل على جبهتين منذ الثامن من أكتوبر، أي بعد يوم من هجوم حركة حماس على مستوطنات غلاف غزة٬ مما أسفر عن مقتل حوالي 1200 إسرائيلي معظمهم جنود٬ وأسر نحو 250 إسرائيلي آخر. وفي غضون ساعات، بدأ مقاتلون من حزب الله، في شن هجمات على شمال إسرائيل من لبنان٬ ليشتعل صراع حدودي متبادل ومتصاعد يوماً بعد يوم منذ ذلك الحين.
تقول إسرائيل إنها تنتقل إلى مرحلة قتالية “أقل كثافة” في غزة، وأنها استأنفت المفاوضات في القاهرة بشأن صفقة محتملة لتبادل الأسرى مع حماس. لكن حزب الله يصر على أنه لن يتوقف على الجبهة الشمالية، أو يفكر في الانسحاب من المناطق الحدودية حتى يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في القطاع.
وتقول كل من إسرائيل وحزب الله إنهما يفضلان “الحل الدبلوماسي”، لكن لا يبدو أن أياً منهما مستعد لتقديم نوع التنازلات التي يتطلبها مثل هذا الحل٬ كما تقول صحيفة “واشنطن بوست”. والنتيجة توتر الجيش والحكومة الإسرائيلية٬ مع تزايد أعداد القتلى والدمار بفعل القصف المتبادل٬ فيما أصبحت البلدات الحدودية مهجورة، ويتزايد الضغط من النازحين الإسرائيليين على الحكومة للتحرك وفعل أي شيء.
ويعكف القادة العسكريون الإسرائيليون على وضع خطط للهجوم على لبنان منذ أشهر. الأسبوع الماضي٬ بعد مقتل إسرائيليين في هجوم صاروخي لحزب الله، قال عضو مجلس الوزراء الحرب السابق بيني غانتس٬ إنه وآخرين٬ طالبوا نتنياهو بالسماح بتوغل إسرائيلي في جنوب لبنان في مارس/آذار الماضي لردع حزب الله، لكن رئيس الوزراء “كان متردداً”٬ ورفض الالتزام بإعادة السكان الإسرائيليين إلى منازلهم في الشمال بحلول الأول من سبتمبر/أيلول، وهو بداية العام الدراسي الجديد.
وقال غانتس: “لا تستطيع إسرائيل أن تتحمل استمرار الحرب في الشمال كما هي، وخسارة عام آخر. لقد حان الوقت لتدفيع حزب الله الثمن في الأهداف العسكرية والبنية التحتية اللبنانية”. من جانبه٬ تقول جايل تالشير، أستاذة العلوم السياسية في الجامعة العبرية، إن “نتنياهو، الذي تفاخر ذات يوم بقدرته على منع الحروب، يعلم أن الجمهور الإسرائيلي غير مستعد لاستقبال آلاف الصواريخ على تل أبيب وغيرها”.
وأضافت لصحيفة “واشنطن بوست” أن “نتنياهو بدلاً من وضع استراتيجية واضحة، قام بعزل نفسه، وتجنب اتخاذ القرارات الصعبة من أجل كسب الوقت وإحاطة نفسه بموالين يفتقرون إلى الخبرة العسكرية”.
منذ حل مجلس الحرب بعد رحيل غانتس مؤخراً، نأى نتنياهو بنفسه أكثر عن قادة الجيش، كما يقول المحللون الإسرائيليون، بما في ذلك غالانت، الذي حاول الدفع منذ أشهر لأجل وقف إطلاق النار وعقد اتفاق تبادل للأسرى في غزة٬ للسماح للجيش بالتركيز على لبنان.
وقال غالانت يوم الأحد مع سقوط عشرات الصواريخ على إسرائيل، بما في ذلك قاعدة عسكرية استراتيجية في “جبل ميرون”، إن “هذه أيام حرجة فيما يتعلق بممارسة قوتنا ضد [حزب الله]، الذي لا يرد إلا بالقوة”٬ على حد تعبيره.