
قام طيران الجيش المسير، وفقاً لمصادر عسكرية، بقصف منطقة النعام الحدودية التي تربط جنوب السودان بولايتَي غرب وجنوب كردفان، مستهدفاً مخازن وقود وإمدادات لوجيستية لقوات “الدعم السريع” تغذي بها عملياتها العسكرية في مناطق واسعة من إقليم كردفان.
ودعا كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية، مسعد بولس، اليوم السبت، طرفي النزاع في السودان إلى وقف فوري لإطلاق النار من دون شروط مسبقة، معرباً عن تطلعه إلى وصول المساعدات بانتظام إلى الفاشر في السودان.
وقال بولس عبر حسابه على “إكس”، “نجدد الدعوة إلى الطرفين المتحاربين في السودان للوقف الفوري غير المشروط لإطلاق النار، وندعو إلى تقديم مساعدات غير مشروطة إلى جميع مناطق السودان، انطلاقاً من هذا التقدم، لضمان هدنة إنسانية شاملة”.
وتابع، “وأخيراً، نحث المجتمع الدولي على زيادة مساهماته المالية لمساعدة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) على مواجهة الوضع الحرج والاستجابة له”. وفي ضوء التطورات العنيفة والمتسارعة على جبهات القتال بإقليمي دارفور وكردفان، اتجه الجيش السوداني هذه الأيام إلى تكثيف غاراته الجوية على مواقع وتحركات قوات “الدعم السريع” في هذين الإقليمين بهدف تفكيك وتدمير القدرات القتالية ومنع وصول الإمداد لها، وومن ثَم الحد من تقدمها وتمددها العسكري.
وبحسب مصادر ميدانية، فإن طيران الجيش المسير شن، أمس الجمعة، هجمات جوية مباغتة على عدد من المناطق بجنوب كردفان وغرب دارفور ومواقع حدودية مع تشاد وجنوب السودان أسفرت عن سقوط ضحايا مدنيين. في وقت تمكنت وحدات من الجيش من فتح طريق الشرق الذي يربط مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان بشبكة الطرق القومية، مما يؤدي إلى تدفق المواد الغذائية والدوائية لسكان الولاية بعد فترة طويلة من الحصار الخانق لقوات “الدعم السريع”.
وقام طيران الجيش المسير، وفقاً لمصادر عسكرية، بقصف منطقة النعام الحدودية التي تربط جنوب السودان بولايتَي غرب وجنوب كردفان، مستهدفاً مخازن وقود وإمدادات لوجيستية لقوات “الدعم السريع” تغذي بها عملياتها العسكرية في مناطق واسعة من إقليم كردفان.
وأكدت المصادر أن عملية القصف تسببت في اندلاع حريق ضخم وتدمير كامل لمخازن الوقود، مما يؤدي إلى وقف عمليات الإمداد للقوات المتمركزة في هذه المنطقة، والحد من قدراتها العسكرية.
غارتان على الجنينة
في الوقت نفسه، لقي تسعة أشخاص مصرعهم، بينهم نساء وأطفال، فضلاً عن إصابة آخرين، جراء غارتين جويتين نفذتهما مسيرة تتبع للجيش على منطقتين بولاية غرب دارفور، وفق مصادر محلية.
وأفادت تلك المصادر بأن المسيرة حلّقت لأكثر من ساعة فوق مدينة الجنينة عاصمة الولاية، قبل أن تطلق صاروخين سُمع دوي انفجارهما في أنحاء متفرقة من المدينة، إذ استهدفت الغارة الأولى منطقة أردمتا شرق الجنينة، بينما استهدفت الغارة الثانية شرق مطار الجنينة.
وتقع الجنينة منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 تحت سيطرة قوات “الدعم السريع” التي تلاحقها اتهامات بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية وتطهير عرقي بحق عرقية المساليت كبرى الجماعات القبلية بولاية غرب دارفور.
إلى ذلك، تشهد ولاية غرب كردفان الخاضعة لسيطرة قوات “الدعم السريع” بشكل كامل تدهوراً ملحوظاً في الأوضاع الأمنية في ظل تصاعد جرائم القتل والاختطاف التي ترتكبها عناصر من تلك القوات.
وأشار ناشطون إلى أن جنوداً من “الدعم السريع” ينشطون هذه الأيام في اختطاف التجار وقيادات الإدارة الأهلية والأطباء، قبل احتجازهم في مواقع غير معلومة وابتزاز ذويهم بدفع مبالغ مالية مقابل إطلاق سراحهم. حيث اتهموا تلك القوات باختطاف نحو 10 تجار على الأقل من مدينة غبيش بولاية غرب كردفان، واقتيادهم إلى جهة غير معلومة، في حادثة أثارت مخاوف واسعة وسط الأهالي.
وبينت غرفة طوارئ دار حمر أنها رصدت خلال الأيام الماضية سلسلة من الانتهاكات التي اتهمت قوات “الدعم السريع” بارتكابها بحق مدنيين في محلية ود بندة بولاية غرب كردفان، شملت الاختطاف مقابل الفدية، والابتزاز المالي، ونهب الممتلكات، إلى جانب التدخل في مؤسسات خدمية بالمحلية.
وحملت الغرفة في بيان لها الإدارة المدنية التابعة لقوات “الدعم السريع” وبعض قيادات الإدارة الأهلية الموالية لها مسؤولية الوقوف وراء عمليات الاعتقال. وتعكس هذه الانتهاكات تدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة، حيث تعاني المجتمعات المحلية من أخطار متعددة تشمل القتل، والاختطاف، والتهجير القسري، وسط تحذيرات أممية من تكرار كارثة الفاشر في كردفان.
قُتل جنديان تشاديان، أمس الجمعة، في هجوم بطائرة مسيرة تابعة لقوات “الدعم السريع” السودانية على مدينة الطينة التي يقسمها خط الحدود الفاصل بين السودان وتشاد، بحسب ما أفاد مصدر عسكري تشادي وكالة “الصحافة الفرنسية”.
وكانت قوات “الدعم السريع” أعلنت، الأربعاء الماضي، السيطرة على مدينتي أبو قمرة وأم برو في شمال دارفور الواقعتين على الطريق إلى الطينة. وأفادت مصادر محلية وكالة “الصحافة الفرنسية” بتقدم مقاتلي “الدعم السريع” باتجاه مناطق قبيلة الزغاوة على الحدود الشمالية الغربية للسودان، مما يعيد إلى الأذهان مشاهد الحرب بين “ميليشيات الجنجويد” التي تحولت لاحقاً إلى قوات “الدعم السريع” وقبائل دارفور.
وبالتزامن مع هجمات مقاتلي “الدعم السريع” على مناطق قبيلة الزغاوة في غرب السودان، دعا حاكم إقليم دارفور المتحالف مع الجيش السوداني مني مناوي سكان شمال دارفور إلى الدفاع عن أرضهم.
وقال مناوي في كلمة عبر “فيسبوك”، “لا تتركوا أرضكم تُنهب ولا ذاكرتكم تُمحى ولا بيوتكم تسلم للغزاة”.
وتسيطر قوات “الدعم السريع” على جميع مناطق شمال وغرب دارفور تقريباً، باستثناء نقاط صغيرة تسيطر عليها مجموعات قبلية محايدة. وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أعلنت قوات “الدعم السريع” السيطرة على الفاشر عاصمة شمال دارفور لتحكم بذلك قبضتها على الإقليم.
ومنذ سقوطها، توالت الشهادات عن إعدامات ميدانية وعنف جنسي ممنهج واستهداف للمدنيين أثناء محاولتهم الخروج من الفاشر. وفي ولاية غرب دارفور اتهمت قوات “الدعم السريع” الجيش بتنفيذ غارات جوية على منطقتين مدنيتين مما أسفر عن وقوع قتلى.
ويتحارب الجيش وقوات “الدعم السريع” منذ أبريل (نيسان) 2023. وأدت الحرب إلى وقوع عشرات الآلاف من القتلى وتشريد الملايين في ما تصفه الأمم المتحدة بأنه “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”.
سياسياً، أكد رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس، أن استجابة مجلس الأمن لمبادرة حكومة بلاده للسلام كانت كبيرة، وأن هناك اتفاقاً على دعم السودان، وإجماع على إدانة الجرائم، والتركيز على الوضع الإنساني، وشدد على أن المبادرة قادرة على تحقيق السلام.
وأشار إدريس في مؤتمر صحافي عقب عودته من نيويورك بعد المشاركة في جلسة مجلس الأمن الدولي، إلى أنه سيتم تنوير الفعاليات السياسية والمجتمعية بالمبادرة لأن ملكيتها للسودانيين وقامت على خريطة الطريق السودانية وأدبيات مجلس الأمن وإعلان منبر جدة وزيارات رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان.
وأوضح أن أي هدنة لا تكون متزامنة مع نزع السلاح وتسكين “ميليشيات الدعم السريع” في معسكرات ستقود إلى حرب، لافتاً إلى أن المبادرة تحدثت عن نزع السلاح وتجميع “الميليشيات” في معسكرات وفق خطة ثلاثية الأضلاع تتم بتزامن ومراقبة دولية.
وشدد رئيس الوزراء على ضرورة تبني المبادرة في المرحلة المقبلة من كل مؤسسات الدولة والإعلام لإنجاحها لتنفيذ السلام والعودة إلى الأسرة الدولية.
