
محمد علي الحداد هو قائد عسكري ليبي بارز من مصراتة، قاد رئاسة الأركان منذ 2020، وارتبط اسمه بمحاولات توحيد الجيش الليبي، وبشبكة علاقات عسكرية دولية (تركيا، إيطاليا، الولايات المتحدة)، مع حضور ميداني وسياسي مؤثر منذ معارك طرابلس 2019 وحتى وفاته، عن عمر ناهز 59 عاما، في حادث تحطم طائرة.
لقي رئيس الأركان العامة للجيش الليبي، الفريق أول ركن محمد علي الحداد، مصرعه مع أربعة من مرافقيه، بعد تحطم طائرة كانت تقلهم أثناء عودتهم من زيارة رسمية إلى العاصمة التركية أنقرة باتجاه طرابلس، في حادث وصف بالأليم وأثار صدمة واسعة في الأوساط الرسمية والعسكرية الليبية. فمن هو الفريق الحداد ؟
يقول عميد كلية العلوم السياسية بجامعة نالوت إلياس الباروني، إن “وفاة رئيس الأركان الليبي لا يمكن التعامل معها كحدث عادي أو تقني، بل يقع في قلب الصراع على السلطة، وعلى مستقبل المؤسسة العسكرية، وعلى اتجاه ليبيا الاستراتيجي خلال المرحلة المقبلة”.
رفض جر البلد إلى حرب جديدة وقال على الهواء مباشرة في لقاء جمعه برئيس حكومة طرابلس عبدالحميد الدبيبة، “لن أسمح بجر عسكري واحد لصناعة حرب، الحرب لن تقوم”، وأضاف، “مستعد أن أجول البلد من الشرق إلى الغرب والجنوب لنبني وطناً جديداً”، وقالوا فيه بعد تأكد مقتله “كان عسكرياً لا تعلو في يده إلا هيبة الدولة، اختار السلم ما استطاع وحمل السلاح فقط حين صار الصمت خيانة، شعاره السلام وهدفه توحيد المؤسسة العسكرية الليبية”.
إنه رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الليبي بغرب البلاد محمد علي الحداد الذي ولد عام 1967، ولقي مصرعه، أمس الثلاثاء، إثر تحطم طائرة كانت تقله رفقة الوفد العسكري الليبي المرافق له بأنقرة، بعد اجتماع له مع الفريق أول رئيس أركان الجيش التركي سلجوق بايركتار أوغلو، في زيارة رسمية جاءت بناء على دعوة من الجانب التركي.
أعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، صباح اليوم الأربعاء، العثور على الصندوق الأسود للطائرة مؤكداً أن عمليات التحقيق جارية، وأوضح أنه عثر على مسجل صوت الطائرة في منطقة الحطام الساعة 02:45 والصندوق الأسود الساعة 03:20 بتوقيت تركيا، معلناً العثور على جثامين ضحايا الطائرة المنكوبة وأنهم بصدد أخذ العينات للتأكد من الهويات.
ونعى الحداد كل من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي وقائد القيادة العامة بالشرق الليبي المشير خليفة حفتر، الذي قال إن “القوات المسلحة فقدت أحد رجالها الذين أدوا واجبهم العسكري بكل مسؤولية”، منوهاً بأن “الحداد تحمل الأمانة في مراحل دقيقة من تاريخ ليبيا”.
وخلفت حادثة مقتل رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الليبي محمد علي الحداد، ورئيس أركان القوات البرية وعضو اللجنة العسكرية المشتركة “5+5″، الفريق ركن الفيتوري غريبيل، الذي لعب دوراً محورياً في توقيع اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2020، ومدير جهاز التصنيع العسكري العميد محمود القطيوي، ومستشار رئيس الأركان العامة، محمد العصاوي دياب، والمصور في المكتب الإعلامي لرئيس الأركان العامة، محمد المحجوب، تساؤلات حول ما إذا كانت الحادثة مدبرة وتندرج ضمن خانة الاغتيال السياسي، أم بسبب عطل فني بخاصة أن الحادثة تتوسط خبرين مهمين أولهما إعلان تركيا التمديد لقواتها العسكرية في ليبيا لمدة عامين آخرين، وثانيهما بدء الدبيبة بتعديلات للإعلان عن تشكيلة حكومته الجديدة.
يقول المتخصص في الأمن الإقليمي والدولي اللواء المصري محمد عبدالواحد، إنه من السابق لأوانه التكهن بالدوافع الحقيقية لمقتل الحداد، بخاصة أن التحقيقات المشتركة بين الجانبين التركي والليبي لا تزال جارية للوقوف على ملابسات الحادثة.
يضيف عبدالواحد لـ”اندبندنت عربية” أنه “وفقاً للبيانات التركية، الطائرة بعثت إنذاراً مفاده أن هناك عطلاً وأرسلت إشارة استغاثة قبل اختفائها من شاشات الرادار، مما يفتح الباب أمام عدد من السيناريوهات خلال الفترة المقبلة، من بينها خلل فني أو خطأ بشري من الطيار أو القائمين بأعمال الصيانة في الطائرة قبل الإقلاع”، منوهاً بأن سوء العوامل الجوية مستبعد كسبب في سقوط الطائرة.
ويذهب اللواء المصري إلى الأبعاد السياسية لمقتل الحداد الذي كان رجلاً محورياً ومهندس العلاقات التركية – الليبية، وكان في اجتماع مع وزير الدفاع التركي تناول صفقات تتعلق بالتعاون العسكري خلال الفترة المقبلة، بالتالي هناك أطراف محلية لها مصلحة بخلط الأوراق في الغرب الليبي أو في حكومة الدبيبة لتفكيكها قبل إعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة وانعقاد الانتخابات الليبية.
ويقول المتخصص في الأمن الإقليمي والدولي، إن هناك شكوكاً أخرى لتدخلات إقليمية لا سيما في ظل التوتر في منطقة شرق المتوسط والاتفاق الاستراتيجي بين إسرائيل واليونان وقبرص، وهي أمور كانت ضد المصالح التركية ومن ثم فهناك هدف لضرب العلاقات التركية – الليبية في هذا التوقيت لتشتيتهما وإضعاف موقف أنقرة المقاوم لهذا التحالف الإسرائيلي – القبرصي – اليوناني.
يقول عميد كلية العلوم السياسية بجامعة نالوت إلياس الباروني، إن “وفاة رئيس الأركان الليبي لا يمكن التعامل معها كحدث عادي أو تقني، بل يقع في قلب الصراع على السلطة، وعلى مستقبل المؤسسة العسكرية، وعلى اتجاه ليبيا الاستراتيجي خلال المرحلة المقبلة، فالحداد لم يكن مجرد قائد عسكري، بل حلقة وصل بين المؤسسة العسكرية والسلطة السياسية في الغرب، وضامن نسبي لمنع الانزلاق إلى حرب شاملة في طرابلس، وأنه شخصية مقبولة دولياً، بخاصة لدى واشنطن وأنقرة”.
ويضيف أن “الحداد فاعل محوري في مسار توحيد المؤسسة العسكرية الذي يهدد مصالح شبكات السلاح والميليشيات وبعض القيادات المتصلبة شرقاً وغرباً، لذا فإن غيابه المفاجئ يخلق فراغاً أمنياً محسوباً أكثر مما يخلق صدمة عابرة”.
ويرى الباروني أن إجابة سؤال “هل نحن أمام اغتيال سياسي مقنع؟” تحكمه عوامل عدة أولها، دلالة التوقيت، إذ تأتي الحادثة بعد زيارة حساسة إلى تركيا في لحظة إعلان أنقرة تمديد وجودها العسكري في ليبيا لمدة عامين آخرين، وقبل إعلان الدبيبة تشكيلته الحكومية الجديدة وأيضاً في ظل توتر أمني متصاعد في الغرب الليبي وإعادة تموضع الفاعلين المسلحين، مشيراً إلى أن تراكم هذه التزامنات نادراً ما يكون صدفة في التحليل الأمني، بل يشير غالباً إلى محاولة تعطيل مسار سياسي–أمني معين قبل اكتماله.
أما العامل الثاني الذي يصب في خانة الاغتيال السياسي، فيتعلق بموقع الحداد في معادلة الصراع، فوفق الباروني كان الراحل معارضاً علنياً لعودة الحرب وغير منتظم في اقتصاد الميليشيات ولا يملك طموحاً سياسياً مباشراً، لكنه يملك نفوذاً مانعاً، وهنا تكمن خطورته على خصومه، فهو ليس مشروع قائد عسكري متمرد، بل عقبة أمام مشاريع الفوضى.
والعامل الثالث الذي يعضد فرضية الاغتيال، بحسب الباروني، هو محلي، إذ إن هناك أطرافاً داخل الغرب الليبي ترى في الحداد عائقاً أمام إعادة توزيع النفوذ بالقوة، لأنه يرفض تحويل المؤسسة العسكرية إلى مظلة لشرعنة الميليشيات وهو عنصر توازن يمنع الصدام داخل طرابلس، لذلك يفتح اغتياله المجال لإعادة عسكرة الصراع السياسي لإضعاف مركز القرار العسكري الرسمي مما يسمح بإعادة تشكيل المشهد الأمني وفق منطق القوة لا التوافق، أما على مستوى المعسكر الشرقي فهو يهدد مشاريع القيادة المنفردة ويسحب الذريعة العسكرية من أي مغامرة مستقبلية ويعيد إنتاج ميزان قوى جديد لا يخدم بعض القيادات المتشددة، مؤكداً أن وجود شخصية مثل الحداد، مقبولة دولياً، كان يشكل قلقاً استراتيجياً للبعض.
ويرى الباروني أن الحداد كان محل إشادة أميركية وعنصر ثقة في قنوات التواصل الأمنية الغربية، إذ كان متفهماً للدور التركي من دون أن يكون تابعاً له، ويقول إن اغتياله يخدم نظرياً من يريد ضرب التوازن بين تركيا والغرب الليبي وإظهار طرابلس كبيئة غير مستقرة أمنياً، ورفض أي تقارب أميركي– تركي داخل ليبيا.
وعلاقة بالرسائل السياسية المحتملة من العملية يرى الباروني أنه “إذا اعتبرنا ما جرى اغتيالاً سياسياً، فالرسائل المحتملة هي: إجهاض مسار توحيد المؤسسة العسكرية، وتحذير لأي قائد عسكري يحاول لعب دور (الدولة) لا (الميليشيا)، إضافة إلى إعادة خلط الأوراق قبل أي حكومة جديدة، للقول إن القرار الأمني في ليبيا لا يزال خارج المؤسسات”.
ونوه الباروني بأن “حادثة مقتل الحداد ستكون لها تداعيات متوقعة، فعلى المستوى الأمني ارتفاع احتمالات الصدام داخل طرابلس وصراع على خلافة الحداد داخل المؤسسة العسكرية، وضعف قدرة الحكومة على ضبط الفاعلين المسلحين، أما على المستوى السياسي، فسنرى إضعافاً لحكومة الدبيبة في لحظة حساسة، وإعادة التشكيك في جدوى المسار الأمني الحالي، وفتح الباب أمام تدخلات خارجية أوسع”.
