أربع دول متهمة بتغذية الحرب في السودان

رغم تصوير الحرب السودانية على أنها صراع داخلي بين جنرالين متنازعين، تكشف الوقائع الميدانية والتقارير الدولية عن تورط قوى إقليمية ودولية في تأجيج النزاع، ما يحوّله إلى ساحة صراع بالوكالة تتقاطع فيها المصالح الاستراتيجية والاقتصادية.

أثارت التقارير التي تحدثت عن مقتل مئات المدنيين في مدينة الفاشر بولاية دارفور، بعد سيطرة قوات الدعم السريع عليها، موجة من الغضب الدولي، لتُضاف إلى سجل الصراع الذي أودى بحياة أكثر من 150 ألف شخص خلال عامين ونصف من القتال. ورغم أن الحرب تُقدَّم غالبًا كصراع داخلي بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فإن التدخلات الخارجية المتعددة تُضفي على النزاع أبعادًا أكثر تعقيدًا ودموية.

عد السودان نقطة ارتكاز جيوسياسية في المنطقة، إذ يشكّل جسرًا بريًا بين الشرق الأوسط وأفريقيا، ويمتد على نحو 500 ميل من ساحل البحر الأحمر، أحد أهم الممرات الملاحية العالمية. كما يمتلك السودان ثروات طبيعية وزراعية هائلة، من بينها أراضٍ خصبة واحتياطات كبيرة من الذهب، ويُعد المنتج الأكبر عالميًا للصمغ العربي، المستخدم في الصناعات الغذائية والدوائية والتجميلية. كما يلعب دورًا محوريًا في دبلوماسية المياه، إذ يمر عبره نحو 400 ميل من مجرى النيل الأزرق.

 

في أعقاب الضغوط الدولية المتزايدة بشأن المجازر في دارفور، أعلنت قوات الدعم السريع يوم الخميس موافقتها على هدنة إنسانية اقترحتها مجموعة “الرباعية”، التي تضم الولايات المتحدة، الإمارات العربية المتحدة، مصر، والمملكة العربية السعودية. وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن واشنطن تواصل اتصالاتها المباشرة مع طرفي النزاع لتسهيل التوصل إلى اتفاق هدنة، مشددًا على ضرورة التزام الطرفين بها لوقف العنف وتخفيف معاناة المدنيين.

 

رغم دورها في الوساطة، تواجه ثلاث من دول الرباعية – الإمارات والسعودية ومصر – إلى جانب روسيا، اتهامات من خبراء حقوق الإنسان وحكومات غربية بمحاولة التأثير على مجريات الصراع في السودان. وتشمل هذه الاتهامات تقديم دعم عسكري ومالي ولوجستي، فضلًا عن دعم دبلوماسي لأطراف النزاع. وكانت هذه الدول قد دعمت الجيش السوداني عقب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في 2019، ثم خلال انقلاب 2021، لكن مع اندلاع القتال بين البرهان وحميدتي، وجدت هذه القوى نفسها أمام خيارات صعبة بشأن الطرف الذي ستدعمه، ما زاد من تعقيد المشهد.

 

يرى تشارلز راي، السفير الأمريكي السابق لدى كمبوديا وزيمبابوي ورئيس برنامج أفريقيا في معهد أبحاث السياسة الخارجية، أن من يسيطر على السودان يمتلك نفوذًا واسعًا في القرن الأفريقي وأفريقيا جنوب الصحراء. ويؤكد أن السودان بات ساحة تنافس إقليمي ودولي، حيث تتقاطع فيها مصالح متعددة الأطراف، ما يجعل من النزاع أكثر من مجرد صراع داخلي.

 

تواجه الإمارات العربية المتحدة اتهامات متكررة بتزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة، حيث تتبّع خبراء حقوق الإنسان مصادر بعض الأسلحة المستخدمة في دارفور إلى شركات مقرها الإمارات. وكشفت إدارة بايدن عن روابط بين شركات إماراتية ومتمردي الدعم السريع، ما دفع مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية إلى فرض عقوبات على عدد من هذه الشركات، متهمًا إياها بتوريد الأسلحة وتمويل العمليات عبر بيع الذهب السوداني في دبي.

وتشير الوثائق الأمريكية إلى أن هذه الشركات تخضع لسيطرة حميدتي وشقيقيه عبد الرحيم والقوني موسى، إضافة إلى شركاء مقربين. وأكدت وزارة الخزانة أن موسى يقيم في دبي ويشارك في جهود شراء الأسلحة لصالح قوات الدعم السريع.

في المقابل، نفت الإمارات بشدة هذه الاتهامات، ووصفتها على لسان مستشارها الدبلوماسي أنور قرقاش بأنها “أخبار كاذبة”، مؤكدة دعمها المستمر للجهود الدولية الرامية إلى وقف إطلاق النار وضمان حماية المدنيين. وأشارت سفارة الإمارات في واشنطن إلى أن تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة الصادر في أبريل الماضي لم يتضمن أي اتهامات مباشرة ضدها، خلافًا لتقارير سابقة.

 

قدّمت مصر دعمًا لكل من البرهان وحميدتي خلال انقلاب 2019، وأجرت تدريبات عسكرية مشتركة مع الجيش السوداني في عامي 2021 و2022. وتعتبر القاهرة القوات المسلحة السودانية الجهة الشرعية في البلاد، وقد عبّرت عن دعمها الصريح للبرهان في عدة مناسبات، مؤكدة التزامها بوحدة السودان وسلامة أراضيه.

ورغم نفي مصر لتزويد الجيش السوداني بالأسلحة، اتهمها حميدتي بدعم خصومه عسكريًا. ويرى خالد العناني، الباحث في جامعة جورج تاون، أن دوافع مصر ترتبط بالأمن القومي، خاصةً ما يتعلق بمخاوفها من تداعيات عدم الاستقرار في السودان على نهر النيل، الذي تعتمد عليه بنسبة 90% من احتياجاتها من المياه العذبة. كما تسعى القاهرة إلى منع نشوء نظام ديمقراطي في السودان قد يهدد استقرارها الداخلي.

ويضيف العناني أن الدعم المصري محدود بسبب اعتمادها الاقتصادي الكبير على الإمارات، فضلًا عن مخاوفها من تدفق اللاجئين السودانيين إلى أراضيها، ما يشكل ضغطًا إضافيًا على اقتصادها المتعثر.

 

رغم التزامها العلني بالحياد، تُتهم المملكة العربية السعودية بدعم غير مباشر للجيش السوداني، من خلال توفير غطاء دبلوماسي للبرهان. وتشارك الرياض في جهود الوساطة إلى جانب الولايات المتحدة، كما لعبت دورًا رئيسيًا في إجلاء آلاف الأجانب من السودان خلال الأسابيع الأولى من القتال.

وتؤكد السعودية أن استقرار السودان يمثل أولوية قصوى لها، نظرًا لموقعه الجغرافي على البحر الأحمر، الذي يُعد ممرًا تجاريًا حيويًا ضمن خطط ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتنمية الاقتصاد السعودي. ويرى تشارلز راي أن السعودية، مثل الإمارات، تسعى إلى ضمان عدم تفوق منافسيها الإقليميين في السودان، ما يفسر اهتمامها المتزايد بتطورات النزاع.

 

رغم انشغالها بالحرب في أوكرانيا، تسعى روسيا إلى تعزيز نفوذها في أفريقيا، وتحديدًا في السودان. واتهمت الولايات المتحدة موسكو بمحاولة استغلال النزاع السوداني لتحقيق مكاسب سياسية على حساب المدنيين. وكشفت تقارير عن تورط مجموعة “فاغنر” الروسية في تزويد قوات الدعم السريع بالصواريخ عبر سوريا وليبيا وأفريقيا الوسطى، مقابل امتيازات في قطاع تعدين الذهب.

كما أشارت تقارير إلى أن أوكرانيا نفذت هجمات ضد قوات الدعم السريع في عام 2023، في إطار صراعها غير المباشر مع روسيا، رغم أن كييف لم تؤكد أو تنفِ هذه المزاعم. وتزايد الغموض حول الدور الروسي بعد تمرد فاغنر ضد الرئيس فلاديمير بوتين ووفاة زعيمها يفغيني بريغوجين، حيث تسعى موسكو إلى دمج مقاتلي فاغنر في الجيش الروسي وفرض سيطرتها على عملياتهم الخارجية.

ورغم دعم فاغنر العلني لحميدتي، فإن الكرملين يواصل التفاوض مع البرهان، في محاولة للحصول على موافقة لبناء قاعدة بحرية روسية في بورتسودان، ما يعكس الطموحات الاستراتيجية لموسكو في البحر الأحمر.

 

يرى خالد العناني، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج تاون، أن السودان بات ساحة مفتوحة للتدخلات الخارجية، مؤكدًا أنه “لا يوجد طرف محايد في هذا الصراع”. ويضيف أن كل طرف يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة، وأن السيطرة على السودان تعني بسط النفوذ على منطقة جنوب الصحراء الكبرى بأكملها.

ويشير إلى أن سنوات العنف والانهيار المؤسسي جعلت السودان هشًا وضعيفًا، ما جعله عرضة للاستغلال من قبل القوى الإقليمية والدولية، في وقت تتفاقم فيه معاناة المدنيين وتتعثر فيه كل محاولات الحل السياسي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *