عزلة رقمية تحاصر المصريين بعد حريق سنترال رمسيس

يعكس تعطل خدمات الاتصالات وشبكة الإنترنت، ووقف التداول في البورصة المصرية، مروراً بتوقف بعض الخدمات المالية، مع ارتباك في جميع تطبيقات الدفع الفوري، أهمية سنترال رمسيس الذي افتتح قبل نحو 98 عاماً، على يد الملك فؤاد الأول الذي أجرى بنفسه أول مكالمة هاتفية من السنترال في مايو (أيار) من عام 1927.

على خلفية الحريق، علقت البورصة المصرية التداول في جلسة الثلاثاء، وتسبب الحريق في ارتباك أنشطة وخدمات جميع البنوك، إضافة إلى توقف خدمات الدفع الفوري والتطبيقات التي تعزز الشمول المالي، وشهد مطار القاهرة الدولي حالاً من الارتباك وجدولة بعض الرحلات، فيما اعتذرت هيئة السكك الحديدية عن تعثر عدد كبير من مستخدمي القطارات في إمكان حجز الرحلات.

وعقب اندلاع الحريق في سنترال رمسيس اضطرت قوات الحماية المدنية لفصل التيار الكهربائي عن كامل السنترال نتيجة للحريق، ودفعت الحادثة وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر عمرو طلعت إلى قطع زيارته الرسمية إلى الخارج وعودته للقاهرة لمتابعة التطورات التداعيات، وأكد خلال تفقده مبنى سنترال رمسيس إنه خلال 24 ساعة ستكون خدمات الاتصالات كافة عادت بصورة تدريجية، لافتاً إلى نقل الخدمات كافة إلى أكثر من سنترال للعمل كشبكة بديلة.

ونفى الوزير المصري أن تكون بلاده معتمدة على سنترال رمسيس فقط كمركز رئيس لخدمات الاتصالات، مبيناً أن سنترال رمسيس سيظل خارج الخدمة لأيام، وأنه على رغم ذلك ستعود الخدمات بصورة تدريجية بعد ما نقلت الخدمات كافة التي توجد في سنترال رمسيس إلى أكثر من سنترال.

وفي إطار المتابعة المستمرة لحادثة حريق سنترال رمسيس، كشف مركز معلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري، عن أن السنترال يعد أحد أهم مراكز الاتصالات والإنترنت في مصر. تستخدم سنترال رمسيس، كبرى شركات الاتصالات مثل “فودافون” و”أورانج” في توجيه المكالمات وربط الإنترنت محلياً ودولياً.

ويعالج السنترال نحو 40 في المئة من حركة الاتصالات المحلية والدولية في مصر عبر خطوط أرضية وألياف ضوئية، ويحتوي على “كور سويتش” رئيسة لمعالجة تحويل المكالمات وربط الشبكات العالمية.

ويعد سنترال رمسيس، النقطة المحورية لشبكة الهاتف الثابت في مصر، إذ يربط بين شبكة القاهرة الكبرى وشبكات الأقاليم المختلفة، ويمثل مركز منظومة التحويلات الرقمية والدوائر الدولية، إذ يحتضن عدداً كبيراً من المقاسم الرقمية الرئيسة التي تستخدم في تحويل المكالمات وربطها بالشبكات العالمية.

ويحتوي أيضاً على واحدة من أكبر غرف الربط البيني في مصر، ويستخدمها عدد من شركات الاتصالات الخاصة مثل “فودافون” و”أورانج” و”اتصالات”. وتعد تلك الغرف بمثابة البنية التحتية التي تمكن هذه الشركات من تمرير بياناتها عبر الشبكة الوطنية، أو من خلالها إلى الشبكات الدولية، ويمر عبر السنترال عدد من كوابل الألياف الضوئية الإقليمية والدولية التي تمثل شرايين الإنترنت في مصر، مما يجعله ذا أهمية استراتيجية في تأمين واستقرار الخدمة، بخاصة في أوقات الضغط أو الكوارث.

ويضم السنترال وحدات لاستضافة البيانات تستخدم لخدمات الحوسبة السحابية والأرشفة المؤسسية، وهي بنية أساسية تعتمد عليها مؤسسات حكومية وخصوصاً في تخزين بياناتها وتشغيل منصاتها الرقمية. وفي ظل التحول الرقمي الذي تشهده مصر، فإن هذا الدور مرشح للتوسع أكثر، إذ من المتوقع تحويل السنترال تدريجاً إلى مركز بيانات متقدم.

في تعليقه، قال المتخصص في أمن المعلومات والمستشار بالهيئة العليا لتكنولوجيا المعلومات والأمن السيبراني وليد حجاج، إن العزلة الرقمية أصبحت تهديداً للحياة اليومية لأي فرد في المجتمع، لافتاً إلى أن انقطاع خدمات الإنترنت والاتصالات يعيد للأذهان مشاهد الـ28 من يناير (كانون الثاني) من عام 2011 حينما قطعت خدمات الإنترنت بالكامل عن مصر أثناء الثورة، وهو اليوم الذي عرف إعلامياً بـ”جمعة الغضب”.

وشهدت القاهرة وعدد من المحافظات خلال الساعات الماضية انقطاعاً ملاحظاً في خدمات الإنترنت وشبكات الاتصالات، مما أثار استغراب وتساؤلات كثير من المواطنين. وبينما كان سبب الانقطاع الأخير فنياً بحتاً، ناجماً عن حريق هائل اندلع في مبنى سنترال رمسيس، أحد أهم مراكز التحكم في شبكة الاتصالات المصرية، إلا أن النتيجة كانت واحدة: شلل أصاب الحياة اليومية والتجارية، وأثار حالاً من القلق والارتباك، مذكراً المصريين بمدى اعتمادهم على شبكات الاتصال في كل تفاصيل حياتهم.

وفي حديثه لـ”اندبندنت عربية”، حذر حجاج من خطورة الاعتماد على مركز واحد لتقديم الخدمات من دون وجود خطط بديلة. وقال إن توقف سنترال واحد فقط يمكن أن يؤدي إلى شلل واسع في عدد من الخدمات الرقمية، مثل المحافظ الإلكترونية وتطبيقات التحويل الفوري مثل “إنستاباي”، بخاصة في ظل الاعتماد المتزايد عليها.

وذكر أن سنترال رمسيس يعد أحد الأعمدة المحورية في البنية التحتية الرقمية لمصر، ليس فقط على مستوى خدمات الاتصالات والإنترنت، بل يمتد أثره ليشمل قطاعات حيوية مثل الدفع الإلكتروني والخدمات المالية الرقمية. ومن الناحية التقنية، يمثل السنترال نقطة ارتكاز رئيسة في الشبكة القومية، وقال إن أي تأثر في عمل هذا السنترال، يمكن أن ينعكس مباشرة على سرعة واستقرار الإنترنت على مستوى الجمهورية، وكفاءة عمل منظومات الدفع الإلكتروني ومحافظ الهاتف المحمول، إضافة إلى أداء خدمات الدولة الرقمية والبنية التحتية الخاصة بالمؤسسات المصرفية وشركات الاتصالات.

ولضمان عدم تكرار هذه الأزمات، دعا حجاج إلى تطبيق ثلاث ركائز أساسية لاستمرارية الأعمال، أولاً خطة النسخ الاحتياط عبر تنفيذ نسخ احتياط دوري للأنظمة الحيوية (بيانات العملاء، الفوترة، إدارة الشبكات)، مع اختبار دوري لصلاحية هذه النسخ.

وثانياً تدشين موقع احتياط للتعافي من الكوارث، بحيث يكون هناك موقع بديل يحتوي على بنية تحتية مماثلة، يمكنه تولي العمل فوراً عند وقوع كارثة مثل الحريق أو الانقطاع الكهربائي أو الهجوم السيبراني، وثالثاً الاعتماد على أكثر من مزود خدمة إنترنت، وتكرار الأجهزة والمعدات الأساسية، مع توفير مصادر طاقة بديلة ومولدات، بحسب المتحدث.

وأكد أن الهدف من هذه الإجراءات هو تحقيق “زمن توقف صفري” أو تقليله إلى الحد الأدنى، مشدداً على أهمية اختبار خطط الطوارئ بانتظام من خلال محاكاة فعلية لانقطاع الخدمة. وشدد على أن الاستثمار في الاستعداد للطوارئ وحماية الأنظمة الإلكترونية بات ضرورة استراتيجية، لا سيما مع تصاعد التهديدات السيبرانية وتكرار الكوارث الطبيعية.

فيما أكد استشاري أمن البيانات والذكاء الاصطناعي محمد مغربي أن ما حدث في سنترال رمسيس ليس حادثة بسيطة، باعتباره واحداً من أهم مراكز الاتصالات الحيوية في مصر، لافتاً إلى أن سنترال رمسيس ليس سنترالاً صوتياً تقليدياً، إذ يضم نقطة ارتكاز رئيسة لشبكة المصرية للاتصالات، كما يعد مركز بيانات ضخماً يستضيف أنظمة تشغيلية وبنية تحتية مشتركة لعدد من مشغلي الاتصالات، ويحتوي على نقاط ربط بين شركات المحمول وبعضها وبينها وبين الشبكة الأرضية. وفي ما يتعلق بأسباب تأثر جميع الشبكات بحادثة حريق السنترال، كشف مغربي عن أنه على رغم امتلاك كل شركات المحمول شبكة مستقلة، لكن الشركات الأربع العاملة في السوق المصرية تستخدم جزءاً من شبكة المصرية للاتصالات كعمود فقري، سواء عبر كابلات فايبر أم “سويتشات” تجميع رئيسة.

وذكر “مغربي” لـ”اندبندت عربية” أن مكالمات الصوت تحتاج غالباً إلى بوابات توجيه ومزامنة فورية عبر السنترال، وتوقف سنترال رمسيس أو فقد قدرته على العمل بسبب الحريق، يؤدي إلى انقطاع أو خلل في تمرير المكالمات الصوتية بين الشبكات. أشار إلى أن الحريق في الغالب يتسبب في ارتفاع حرارة الغرف التقنية خلال دقائق، وأن الأجهزة لا تتحمل درجات حرارة عالية أكثر من 35 إلى 45 درجة مئوية في غرفة مغلقة، وهذا يدفع الأجهزة إلى الخروج من الخدمة، وربما يحدث تلف داخلي في بعض الأجهزة بسبب ارتفاع درجات الحرارة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *