دعاية الإعلام المصري لاتكفي لدعم السلطة

يسعى الإعلام المصري، ومعظمه مملوك لجهات حكومية، إلى تخفيف وتيرة الانتقادات الموجهة إلى السلطتين التنفيذية والتشريعية بعد أن شهدتا إثارة قضايا شغلت الرأي العام، في مقدمتها حادث أودى بحياة 19 فتاة على إحدى الطرق السريعة، ثم تمرير قانون الإيجار القديم داخل البرلمان وسط اعتراضات، مما تسبب في انسحاب نواب معارضة ومستقلين من جلسة الأربعاء بمجلس النواب.

وبات المشهد قائما على تصدر الانتقادات للحكومة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بينما تحاول وسائل الإعلام المحلية خفض حدة السخط، وعملت على دعم سياسات الحكومة ووزرائها، بما وسع الهوة بين المواطنين والإعلام.

وهناك توافق بين خبراء الإعلام وقطاع من المسؤولين بأن هذا أمر لا يخدم السلطة التي بحاجة إلى أن تلعب وسائل الإعلام دورا مهما في حال تفاقمت الأزمات الخارجية، خوفا من أن يتجه المواطنون إلى وسائل إعلام أجنبية تحقق معدلات مشاهدة مرتفعة داخل مصر.

واعتبر الصحافي والإعلامي محمد الباز رئيس تحرير صحفية “الدستور” عبر برنامجه “آخر النهار” على فضائية “النهار” المصرية إقرار قانون الإيجار القديم في ظل اعتراض المعارضة وانسحابها أمر طبيعي والقانون ليس عليه توافق منذ البداية، والبرلمان أدى دوره ويجب أن ينصب التركيز على سلامة تنفيذه.”

وتسببت وسائل الإعلام المحلية في وضع وزير النقل المصري الفريق كامل الوزير في مأزق بدلاً من تخفيف حدة الاحتقان التي كانت سائدة في عقب حادث مصرع الفتيات، وقاد حوار صحفي معه عبر شاشة قناة “تن” إلى المزيد من الانتقادات الموجهة بسبب أسلوب الحوار الذي هدف لتحسين صورة الوزير من دون أن تتم مواجهته بأرقام وإحصاءات صيانات وإنشاءات الطرق الجديدة، وبالتالي كانت إجابات الوزير هدفها الدفاع عن نفسه وتصويب الصورة غير أن ما حدث هو العكس.

ورد الفريق كامل الوزير خلال لقائه مع الإعلامي نشأت الديهي ببرنامج “بالورقة والقلم” على انتقادات المواطنين قائلا “اسأل عليا دفعتي.. أسأل عليا أساتذتي في الجامعة، وقال يقولك أنت وزير غير مؤهل، على أي أساس بتقول كده، انتوا أمنيتكوا إن أنا أمشي (استقيل) لكن والله أنا قاعد لكوا فيها لحد ما أموت.”

والتقطت منصات التواصل الاجتماعي هذا التصريح ومعها قوى معارضة أكدت أن من يقبعون في موقع المسؤولية لا يريدون ترك مناصبهم، وإن كان هناك ما يستدعي ذلك باعتباره يتحمل المسؤولية السياسية، خاصة وأن ردة الفعل هذه صاحبتها إشادات أخرى بالوزير المصري من جانب إعلاميين محسوبين على الحكومة.

وفي وجهة نظر الإعلامي أحمد موسى عبر برنامجه “على مسؤوليتي” المذاع على فضائية “صدى البلد” وزير النقل “يعمل منذ توليه الوزارة في 2019 نهضة ونقلة لم تحدث في تاريخ مصر،” وأن الانتقادات الموجهة إليه هدفها إثارة المشكلات للتأثير على الاحتفاء بذكرى ثورة 30 يونيو من العام 2013، وهي تصريحات لاقت أيضا انتقادات من مواطنين يرون بأن ذلك لا يمنع من المحاسبة السياسية للحكومة.

وأكد نقيب الصحافيين الأسبق يحيى قلاش أن الإعلام المصري في واد والمواطنين في واد آخر، ما يقود لانعدام المصداقية وبدلاً من أن تلعب وسائل الإعلام المحلية دورها في تقريب الفجوة بين الحكومة والمواطنين تلعب دورا معاكسا، وتتسبب في زيادة الهوة، بما يقود للنفور من مشاهدة برامج التوك شو وغالبية ما تقدمه المحطات المحلية، لأنه في تلك الحالة يدرك صاحب المصلحة أنه ليس الهدف مما يقدمه مذيعو البرامج والصحافيون من محتويات.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الإعلام المصري كان أمام فرصة سانحة لاستعادة الجمهور خلال الأشهر الماضية التي شهدت تطورات إقليمية جذبت الجمهور مرة أخرى إلى الإعلام الإقليمي بخاصة وأن مصر تأثرت سلبا بهذه التطورات، لكن ما حدث أن غياب المهنية والقدرة على التعامل مع كافة القضايا بنفس المستوى من الشفافية والصراحة والوضوح فوت الفرصة على الإعلام الذي تبقى قدراته محدودة في تقديم رسائل نقد للحكومة جراء ما تتركه من آثار سلبية على المواطنين.

وأشار إلى أن الدولة المصرية حينما تحتاج إلى إعلامها للدفاع عنها فستجد أنه في حالة شلل تام، وفي غالبية الأحداث الكبيرة يغيب حضورها ويبقى الاتجاه إما لصحافة المواطن عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو الاتجاه للإعلام الأجنبي.

وأشار إلى أن المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل تقدم صورة مشوهة من الإعلام الشعبي، وما يتم نشره من جانب المواطنين من محتويات أو فيديوهات تلقى ردودا مباشرة من جهات رسمية، في حين أن ذلك من المفترض أنه دور الصحافة والإعلام اللذين غابا عن المشهد بعد أن فشلا في سد هذا الفراغ.

ويتفق العديد من خبراء الإعلام على الوضع الراهن للإعلام المصري بما يجعله في محل اتهام مستمر من قبل شريحة من المواطنين بأنه يقف إلى جانب السلطة على حساب مصالحهم، وقد يتحول إلى بؤرة لإشعال غضب المواطنين بدلاً من تهدئة مخاوفهم بشأن مشكلات وأزمات حقيقية يمرون بها، وهو أمر لا يخدم السلطة والنظام الحاكم وسبق وأن انتقده الرئيس عبدالفتاح السيسي في أكثر من مناسبة.

ويعبر تطرق الإعلامي المصري محمد الباز إلى قضية تعديل الدستور بالتزامن مع إقرار قانون الإيجار القديم الذي يلقى سخطا شعبيا وتلميحه إلى إمكانية تعديل مدد بقاء الرئيس في السلطة أحد أبرز جوانب إثارة المواطنين بأطروحات ليست في محلها السياسي وليس هناك ما يستدعي التطرق إليها قبل انتهاء فترة البرلمان الحالي ومع بدء إجراءات تنظيم انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب، ووضع ضغوط مسبقة على البرلمان المقبل قبل انتخابه، بشكل يبعث برسالة تفيد بوجود رغبة من السلطة التنفيذية لدفع السلطة التشريعية إلى تعديل الدستور بلا أي دلائل أو براهين على ذلك.

وطالب الباز خلال برنامجه “آخر النهار” بإجراء تعديل دستوري يعيد النظر في مدة الرئاسة، مؤكدًا أن “الشعب المصري اعتاد على رئيس يعمل بلا كلل أو ملل، في إشارة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي، وأن استمرار هذا النهج يتطلب إعادة صياغة بعض النصوص الدستورية.

وأوضح أن الرئيس السيسي “يمثل نموذجًا فريدًا في الالتزام الوطني والمتابعة الدقيقة لتفاصيل الدولة،” معربًا عن أمله في أن تنتقل هذه الروح إلى أي قيادة مستقبلية، سواء على مستوى الرئاسة أو الحكومة.

وقد تكون هذه المسألة رسالة لجس النبض أو وسيلة لخلط الأوراق السياسية أو تمهيدا لشيء ما يجري التحضير له من قبل السلطة، لكنها جاءت في توقيت غير مناسب سياسيا، ففترة رئاسة السيسي الحالية أمامها نحو خمس سنوات، وغير مناسب اجتماعيا، حيث تضع رئيس الدولة في مواجهة وسائل إعلام لا تتورع عن تحميله أخطاء السلطتين التنفيذية والتشريعية.

المصدر: موقع العرب

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *