
دفعت التوترات الأمنية التي شهدتها المنطقة الحدودية بين السودان وليبيا مطلع الشهر الماضي القاهرة لاستدعاء قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، بعد اتهام الجيش السوداني الجيش الليبي بدعم قوات الدعم السريع. ومنعا لتفاقم الأمور في منطقة تمثل شريانا حيويا للدول الثلاث، تدخل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مباشرة للتهدئة، كي لا يلعب التوتر المستمر دورا في تغذية الإرهاب والهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات، فإذا شهدت فوضى عارمة وأدت إلى تصعيد عسكري ممتد ستكون هناك صعوبة في استعادة الهدوء سريعا، ومنع أيّ جهات خارجية من توظيفه.
ويعد لقاء السيسي وحفتر أول تدخل مصري معلن في أزمة نشبت قبل أسابيع في المثلث الحدودي، ووضعت القاهرة في مأزق، بسبب حرصها على استمرار العلاقة القوية مع قائد الجيش الليبي وقائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ورأت قيادتها ضرورة تطويق التوتر، ومنع فتح جبهة ساخنة بجنوب غرب مصر.
وقالت مصادر دبلوماسية لـ”العرب” إن التدخل المصري بدأ مبكرا، منذ اندلاع أزمة المثلث الحدودي، باتصالات مع حفتر والبرهان، خوفا من تأثير ذلك على المصالح المصرية، القلقة من سيطرة الدعم السريع على هذه المنطقة، والتي لا ترتاح كثيرا لأيّ تعاون كبير بين الجيش الليبي وقوات الدعم السريع، وما ينجم عنه في المستقبل من انعكاسات سلبية على رؤية القاهرة للأزمة السودانية.
وأوضحت المصادر ذاتها أن لقاء السيسي وحفتر وابنيه في العلمين، الاثنين، يقطع الطريق على تكهنات ذهبت إلى وجود فتور بين مصر وقائد الجيش الوطني مؤخرا، الذي بدا منفتحا كثيرا على توجهات تركيا في ليبيا، ومتفهما (ضمنيا) لمتطلبات الدعم السريع في المثلث الحدودي، حيث استغلت القاهرة علاقتها الوطيدة مع حفتر لمنع حدوث انفلات في المنطقة، قد يحرج الجيش السوداني وتتأثر مصر بتداعياته.
واستقبل السيسي حفتر في مدينة العلمين على ساحل البحر المتوسط، بحضور رئيس أركان القوات الأمنية الفريق خالد حفتر وقائد القوات البرية الفريق صدام حفتر، ورئيس المخابرات العامة بمصر اللواء حسن رشاد.
وأكد الخبير الإستراتيجي والمحاضر بأكاديمية ناصر للعلوم العسكرية التابعة للجيش المصري اللواء سمير فرج أن لقاء السيسي وحفتر جاء لتعزيز التأمين الخاص بالحدود الشرقية لليبيا مع مصر، والاطمئنان على عدم وجود خطر ينشط في تلك المنطقة، وهذا أمر حيوي لمصر التي تريد أن تكون جميع حدودها مؤمّنة بشكل كامل.
وأضاف لـ”العرب” أن التنسيق بين مصر والجيش الليبي مهم للغاية على مستوى تبادل المعلومات والرؤى وتنسيق التحركات، مستبعدا أن يكون اللقاء بين السيسي وحفتر مرتبطا فقط بالتوترات في المثلث الحدودي، انطلاقا من أن مصر “مسيطرة على حدودها في تلك المنطقة، وقوات حفتر لا تدعم أيّ فصيل هناك كما يتردد“.
وكشف المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية أن لقاء العلمين ركز على خصوصية العلاقات الأخوية الوثيقة، وأهمية استقرار ليبيا، حيث يعد جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وتبذل القاهرة أقصى جهودها بالتنسيق مع القوى الليبية والقيادة العامة للجيش الليبي لدعم الأمن والاستقرار، والحفاظ على وحدة ليبيا وسيادتها، ودعم مصر لكافة المبادرات التي تستهدف تحقيق تلك الأهداف.
وأعرب السيسي عن حرص بلاده على الحفاظ على وحدة وتماسك مؤسسات الدولة الليبية، وتعزيز التنسيق بين جميع الأطراف الليبية لوضع خارطة طريق سياسية شاملة تفتح المجال لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل متزامن، والتصدي للتدخلات الخارجية، وخروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية.
وأوضح المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية أن السيسي شدد على تقدير مصر للدور الذي يضطلع به الجيش الوطني الليبي في مكافحة الإرهاب، والذي ساهم في القضاء على التنظيمات الإرهابية في شرق ليبيا.
وقال المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا اللواء عادل العمدة إن اللقاء سعى إلى تقليص الفجوات الأمنية في الاتجاه الإستراتيجي الغربي – الجنوبي في ظل تحديات متصاعدة على كافة الحدود المصرية، وجاء في سياق كسر التحديات والتعامل معها بتوطيد التنسيق الأمني مع القوى العسكرية والأمنية في الدول المجاورة، والتعاون المشترك بشأن إقامة مشروعات تنموية تضيّق الخناق على أيّ اختراق للحدود.
وأشار في تصريح خاص لـ”العرب” إلى وجود تنسيق تتشارك فيه مصر مع الجيش الليبي بشأن تعميق الانتماء للمواطنين على المناطق الحدودية، وأن تضييق الخناق على أيّ توتر على الحدود الغربية مع ليبيا أو الجنوبية مع السودان يهدف إلى إحكام السيطرة على الحدود الشمالية الشرقية مع قطاع غزة والتركيز على تأمينها من قبل مصر، وفي تلك الحالة تبقى قدرة أجهزة المعلومات أكثر كفاءة.
ولفت إلى أن اللقاءات المباشرة بين القادة والزعماء تتطرق دائما إلى النقاط الخلافية المباشرة، بالتالي فقضية المثلث الحدودي واتهامات الجيش السوداني لحفتر بشأن التعاون مع الدعم السريع للسيطرة في تلك المنطقة كانت محل نقاشات من أجل الوصول إلى رؤية موحدة تضمن عدم الإضرار بالأمن القومي المصري.
وعبّر المشير خليفة حفتر عن بالغ تقديره للدور المحوري الذي تلعبه مصر في استعادة الأمن والاستقرار في ليبيا، مشيدًا بالجهود المصرية الدؤوبة في دعم ومساندة الشعب الليبي منذ اندلاع الأزمة، في إطار العلاقات التاريخية التي تجمع الشعبين الشقيقين.
وزار صدام حفتر مصر في 23 يونيو الماضي، والتقى رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الفريق أحمد خليفة، وبحث معه تنسيق الرؤى وتضافر الجهود المشتركة لتأمين الحدود، والحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية، والبحث عن كل الأطر والآليات التي تحقق السيطرة على الأوضاع الأمنية في كل الأراضي الليبية.