بلجيكا تشدّد إجراءاتها لمكافحة الهجرة غير الشرعية

أعلنت الحكومة البلجيكية يوم الخميس، 19 حزيران/يونيو، عن حزمة من الإجراءات التي تهدف إلى تشديد عمليات التفتيش داخل البلاد، مركّزة على نقاط الدخول البرية والجوية. وتأتي هذه الإجراءات في سياق ما وصفته السلطات بـمكافحة تدفّقات الهجرة السرّية وتعزيز مكافحة الجريمة.

أفاد وزير الداخلية برنار كوينتين، ووزيرة اللجوء والهجرة، أنلين فان بوسويت، في بيان صحفي، بأن السلطات البلجيكية ستنطلق، ابتداء من هذا الصيف، في تنفيذ “عمليات تفتيش عند الدخول” تشمل الحافلات والقطارات التي تعبر الحدود، وذلك في إطار جهودها لمكافحة الهجرة غير النظامية والثانوية، أي تلك التي يقوم بها أشخاص سبق أن حصلوا على وضع طالب لجوء أو حماية في دولة أوروبية أخرى، أو قدموا فيها طلبا سابقا.

ستُنفذ هذه التفتيشات على المحاور الطرقية الرئيسية وفي محطات الاستراحة على الطرقات السريعة، وعلى خطوط الحافلات الدولية، خاصة الخط الرابط بين “لا بان” و”دانكيرك”، إضافة إلى بعض القطارات، ولا سيما في محطة “بروكسل-ميدي”، وكذلك عند وصول رحلات جوية قادمة من داخل منطقة شنغن والتي تُعتبر تحت ضغط هجري مرتفع، مثل إيطاليا واليونان.

وتتم هذه العمليات بالتنسيق بين الشرطة الفيدرالية والشرطة المحلية ومكتب الأجانب، وتستهدف في المقام الأول الأشخاص الذين لا يحملون وثائق قانونية، أو سبق لهم تقديم طلب لجوء في دولة عضو أخرى، أو حصلوا فيها على الحماية.

وأوضحت وزيرة اللجوء والهجرة أن الحديث لا يدور عن “عمليات تفتيش حدودية”، بل عن “عمليات تفتيش عند الدخول”، وهو توصيف يتماشى مع المادة 23 من اتفاقية شنغن التي تتيح للدول الأعضاء فرض عمليات تفتيش معزّزة داخل أراضيها.

وقال وزير الداخلية برنار كوينتين: “نتحمّل مسؤولياتنا من خلال تنفيذ عمليات تفتيش صارمة وموجّهة عند المفترقات الاستراتيجية. وبهذه الطريقة، نكافح تدفّقات الهجرة السرّية ونمنع انتقال الضغط الهجري نحو بلجيكا، مع تعزيز مكافحتنا للجريمة بشكل أكثر فعالية من أجل تعزيز الأمن على أراضينا”.

في هذا السياق، شددت وزيرة اللجوء والهجرة أنلين فان بوسويت على أن “الأشخاص الذين يسعون لدخول البلاد بطريقة غير قانونية أو الذين حصلوا على حماية في دول أخرى لم يعودوا مرحبا بهم”، وأضافت بأن “الرسالة واضحة: بلجيكا لن تتسامح بعد الآن مع الهجرة غير النظامية وممارسة ‘تسوّق اللجوء’”.

وتُظهر الأرقام التي نشرها مكتب الأجانب هذا الأسبوع أن عدد طلبات اللجوء في بلجيكا المقدّمة من أشخاص سبق أن تمّ الاعتراف بهم كلاجئين في دولة أوروبية أخرى قد انخفض . ففي شهر أيار/ مايو 2025، سجّل مكتب الهجرة 2,496 طالب لجوء للحماية الدولية مقابل 3,356 من نفس الفترة العام الماضي.

وقد تصدرت، حسب نفس الإحصائيات، أفغانستان وإريتريا وفلسطين قائمة البلدان العشرة الأولى لمقدمي طلبات الحماية الدولية من حيث بلد المنشأ. وأكملت جمهورية الكونغو الديمقراطية وتركيا وسوريا وبوروندي والكاميرون وغينيا وجورجيا هذه القائمة.

وفي شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بلغ عدد طلبات اللجوء المقدّمة من لاجئين معترف بهم في بلدان أخرى ذروته عند 1,100 طلب. أما في الأشهر الأخيرة، فقد انخفض هذا العدد إلى نحو 200 طلب شهريا.

قال وزيرة الداخلية “تدفّقات الهجرة في حركة مستمرة، وبعض الدول المجاورة شددت بالفعل من سياستها. وإذا لم نتخذ إجراءات مماثلة، فإن بلادنا قد تتحول إلى نقطة جذب لمن تم رفضهم في أماكن أخرى”.

ومن جهتها، تؤكد الوزيرة فان بوسويت أن تدفّقات الهجرة تشهد تطوّرا مستمرا، وأن بعض الدول المجاورة قد شددت بالفعل سياساتها. فلقد سبق أن فرضت، على سبيل المثال، كل من هولندا وألمانيا ضوابط مؤقتة على الحدود.

 ففي السنوات الأخيرة، أعادت ألمانيا فرض رقابة مؤقتة على بعض معابر حدودها مع دول شنغن المجاورة، خاصة مع النمسا، بهدف مراقبة تدفقات المهاجرين بعد موجات اللجوء الكبيرة في 2015-2016. هذه الضوابط تشمل تفتيش الوثائق بشكل أوسع، وتعزيز وجود الشرطة على الحدود، بالإضافة إلى تسريع عمليات ترحيل المرفوضين.

أما هولندا فقد بدأت بإعادة فحص السيارات على الحدود من أجل منع دخول المهاجرين غير النظاميين ومهربي البشر. كما طلبت من الاتحاد الأروربي استثناءها من قوانين الاتحاد الأوروبي المتعلقة باللجوء، ما يعكس توجها سياسيا متزايدا نحو التشدد في سياسات اللجوء.

لهذا السبب، ترغب الوزيرة أنلين فان بوسويت في البدء في هذه التفتيشات في أقرب وقت ممكن، “ابتداء من هذا الصيف”. وأضافت: “نلاحظ عادةً أن فصل الصيف يشهد ارتفاعا كبيرا في حركة الهجرة. ولذلك نريد أن نكافح هذا التدفق الهائل”.

أبدى النائب الفيدرالي، ماتي فانديمايلي، انتقادات لقرار الحكومة تعزيز عمليات التفتيش عند الدخول إلى الأراضي البلجيكية ابتداء من هذا الصيف، واصفا القرار بأنه “سخيف تماما” وفقا ما أفادت به الصحيفة البلجيكية “7sur7” . واعتبر النائب أن “الخطاب المتشدد” الذي تعتمده الحكومة لا يؤدي إلا إلى زرع الفوضى.

ويرى النائب أن هذا القرار ليس سوى “حملة دعائية رمزية تُظهر من خلالها وزيرة اللجوء والهجرة أنها لا تنتهج سياسة جدية، وتُظهر في الوقت نفسه عدم كفاءتها.” ولا يتوقّع من ذلك سوى الفوضى لجميع من يضطرون لعبور الحدود، سواء كانوا بلجيكيين أم غيرهم.

كما قال “تنقل الأشخاص من بلد إلى آخر هو واقع قائم. الادعاء بأنه يمكن وضع حد لذلك من خلال عمليات تفتيش على الحدود، وخصوصاً بين دول أوروبية يُفترض أن حرية التنقل فيها مكفولة، هو أمر سخيف تماماً”. وأضاف “علاوة على ذلك، يبلغ طول الحدود البلجيكية 1445 كيلومتراً. ماذا تنوي الوزيرة (أنلين فان بوسويت) أن تفعل؟ هل ستقيم نقطة حراسة كل عشرة أمتار؟”.

وأشار فانديمايلي إلى تجربة ألمانيا، التي سبق أن فرضت عمليات تفتيش على الحدود، واصفاً إياها بأنها “تجربة مكلفة، تطلّبت استثمارات كبيرة من حيث الموارد والوقت.” وأضاف أن “عمليات التفتيش الألمانية تسببت في أوقات انتظار طويلة جدا، وكان لها تأثير اقتصادي كبير.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *