هل علاقات فاجنر في تفتح الباب للصين؟

تشهد النيجر تحولات جيوسياسية كبيرة، خاصة بعد طرد ثلاثة مسؤولين صينيين من قطاع النفط، ما يثير تساؤلات حول مستقبل الاستثمارات الصينية. في ظل التراجع الغربي، تحتاج الصين إلى استراتيجية جديدة لحماية مصالحها، مستفيدة من تجربة مجموعة فاجنر الروسية في إفريقيا، فهل تستفيد من علاقات فاجنر في النيجر؟.

مع تصاعد المنافسة الدولية، أصبح تأمين الاستثمارات الخارجية تحديًا رئيسيًا للصين. في هذا السياق، يُمكن للصين استخلاص دروس مهمة من نموذج فاجنر، الذي ساعد روسيا في تعزيز نفوذها الإفريقي من خلال مزيج من الدعم الأمني والاقتصادي والسياسي.

أوضحت مجلة “أوراسيا ريفيو” في تقرير نشرته، السبت 29 يناير 2025، أن مجموعة فاجنر الروسية أصبحت أداة رئيسية لتوسيع نفوذ روسيا في إفريقيا، حيث قدمت الدعم العسكري للحكومات مقابل امتيازات اقتصادية. بفضل شبكتها الأمنية، رسّخت وجودها في دول مثل جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي والنيجر، ما منح موسكو نفوذًا استراتيجيًا متزايدًا.

وأضافت أن نموذج فاجنر يعتمد على مزيج من العمليات العسكرية والاستثمارات في الموارد الطبيعية، وأن فاجنر، مقابل تأمين الحكومات، تحصل على امتيازات في التعدين والطاقة، ما يعزز الاستقلال المالي للمجموعة ويدعم المصالح الروسية دون تدخل رسمي مباشر من موسكو.

ذكرت المجلة أن الجيش النيجري، في يوليو 2023، أطاح بالرئيس محمد بازوم، ما فتح المجال أمام روسيا لتعزيز نفوذها، حيث سارعت فاجنر إلى دعم النظام الجديد، حيث التقى الجنرال ساليفو مودي بممثليها في مالي، ما يشير إلى اهتمام المجلس العسكري بالحصول على دعم أمني بديل عن الغرب.

وأشاد يفجيني بريجوزين، زعيم فاجنر حينها، بالانقلاب، واصفًا إياه بأنه خطوة نحو التحرر من النفوذ الغربي، ثم بدأت فاجنر في تقديم الدعم العسكري، ما ساعد الحكومة العسكرية على تعزيز سلطتها، خاصة مع تصاعد التوترات مع القوى الغربية.

قالت المجلة إن فاجنر استفادت من العداء الشعبي لفرنسا في النيجر، حيث شهدت البلاد مظاهرات رفعت فيها الأعلام الروسية، ما عزز النفوذ الروسي، وساهم في تأمين دعم شعبي للوجود العسكري الروسي، مما قلل من احتمالات مقاومة المجلس العسكري للنفوذ المتزايد لفاجنر، كما أنه ساعد على تعزيز علاقات فاجنر في النيجر.

وعقب الانقلاب، أججت وسائل الإعلام المرتبطة بفاجنر المشاعر المناهضة لفرنسا، مما ساعد في تبرير طرد القوات الفرنسية، كما أدى ذلك إلى انسحاب القوات الأمريكية لاحقًا، ما ترك فراغًا أمنيًا ملأته روسيا عبر فاجنر، مع توسيع سيطرتها على الموارد المحلية.

بعد وفاة مؤسسها يفجيني بريجوزين في 2023، أُعيد تنظيم فاجنر تحت اسمالفيلق الإفريقي، ما سمح باستمرار عملياتها في القارة، وعززت النيجر علاقاتها مع روسيا في 2024، حيث استضافت قوات فاجنر في قاعدة نيامي الجوية، ما أتاح لها دورًا رسميًا في الشؤون الأمنية.

ورغم التحديات التي واجهتها بعد مقتل بريجوزين، استمرت فاجنر في توسيع عملياتها، وبحلول 2024، أصبحت جزءًا من البنية الأمنية الجديدة للنيجر، حيث قدمت تدريبًا عسكريًا ومعدات للقوات المحلية، مما ساهم في تثبيت النظام العسكري وتقليص الحاجة إلى الدعم الغربي.

تعد النيجر من أكبر منتجي اليورانيوم في العالم، ما يجعلها محط اهتمام للقوى الكبرى، ورغم عدم وجود أدلة مباشرة على سيطرة فاجنر على مناجم اليورانيوم، إلا أن وجودها يمنح روسيا فرصة للتفاوض على اتفاقيات تضمن لها امتيازات استراتيجية طويلة الأمد.

ومع انسحاب النفوذ الفرنسي، أصبحت روسيا في موقع أفضل للوصول إلى الموارد الإفريقية، وتُشير التقارير إلى أن فاجنر قد تستخدم استراتيجياتها السابقة في جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي، حيث ضمنت عقود تعدين مربحة مقابل توفير الدعم الأمني للحكومات المحلية.

في ظل تزايد النفوذ الروسي، قامت الحكومة العسكرية في النيجر بطرد 3 مسؤولين تنفيذيين صينيين من قطاع النفط، ويرى بعض المحللين أن فاجنر تؤثر على سياسات المجلس العسكري بطرق قد تضر بالمصالح التجارية الصينية، مما يستدعي إعادة تقييم العلاقات الصينية الإفريقية.

ويعكس الطرد المفاجئ للمسؤولين الصينيين تحولات جيوسياسية متسارعة في النيجر، مع تعزيز موسكو لنفوذها عبر فاجنر، قد تواجه بكين تحديات متزايدة في الحفاظ على مصالحها الاقتصادية، خاصة في قطاعات التعدين والطاقة، التي أصبحت ساحة تنافس دولي محتدم.

يظهر نموذج فاجنر كيف يمكن للقوى الكبرى تأمين مصالحها في بيئات غير مستقرة عبر أدوات غير تقليدية. قد تحتاج الصين إلى تطوير شركات أمنية خاصة لحماية استثماراتها، لكن ضمن إطار قانوني يتماشى مع سياستها الخارجية، لتجنب التحديات الدبلوماسية التي واجهتها فاجنر.

مع تزايد المخاطر الأمنية على الشركات الصينية في إفريقيا، أصبح تطوير استراتيجية دفاعية أمرًا ضروريًا. من خلال الجمع بين القوة الاقتصادية والأمنية، يمكن للصين تعزيز وجودها في القارة، وتقليل اعتمادها على الحماية الأمنية الغربية، وضمان استدامة استثماراتها الاستراتيجية.

في ظل المنافسة الجيوسياسية المتزايدة، تقدم تجربة فاجنر نموذجًا يمكن للصين الاستفادة منه لحماية مصالحها في إفريقيا. قد يكون إنشاء شركات أمنية خاصة خطوة استراتيجية ضرورية، لكنها تتطلب توازناً دقيقاً بين الاعتبارات السياسية والدبلوماسية لضمان تحقيق الأهداف دون إثارة نزاعات دولية.

مع استمرار التغيرات في النظام العالمي، ستحتاج الصين إلى تعزيز قدراتها الأمنية لضمان بقاء استثماراتها آمنة. من خلال تطوير آليات مرنة للحماية، يمكنها مواجهة التحديات المستقبلية بفعالية، وضمان استدامة نفوذها الاقتصادي والسياسي في إفريقيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *