موقع مصراوي: تجنيد مصريين في حرب أوكرانيا بإغراء المال والجنسية

في تحقيق استقصائي، يكشف مصراوي كواليس “الفخ الروسي” لتجنيد الشباب المصريين بإغراءات المال والجنسية، للقتال في الحرب الأوكرانية والدفع بهم في الصفوف الأمامية، ما تسبب في وفاة عدد منهم قبل تحقيق حلمهم بالجنسية الروسية.

تحت بريق المال وحلم الجنسية الروسية، التحق عشرات الشباب المصريين بركب المتطوعين، ليجدوا أنفسهم في الخطوط الأمامية في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، حيث هناك تكون النهاية إمّا الموت أو الفقدان دون أثر. تاركين خلفهم عائلات مفجوعة، وأحلامًا لم تكتمل.

وعلى مدى أشهر، تتبع مصراوي شبكة روسية لتجنيد العرب وخصوصا المصريين والسوريين، وكيفية إغرائهم بالمال ووعد الحصول على الجنسية الروسية بعد القتال سنة على الجبهة. كما تتبع قصص وخط سير “مجندين مصريين” انقطعت أخبارهم، وآخرون قتلوا، وقلة أصيبوا إصابات خطرة، فيما ينتظر آخرون مصيرهم.

في صباح ضبابي اختفت فيه أشعة شمس يونيو عن مدينة “دونيتسك” الأوكرانية، استهدف قصف أوكراني فرقة استكشافية روسية، كان ضمن أفرادها شاب مصري يدعى سعيد رمضان*، تطوّع في الجيش الروسي بنظام التعاقد عقب التعديلات التي أقرها الرئيس الروسي بوتين على نظام الخدمة العسكرية بعد شهر واحد من بداية حربه على أوكرانيا.

لم يمتلك المصري “سعيد” وغيره من أفراد فرقته الاستكشافية (5 جنود) وسيلة للتعامل مع أصوات القصف المدوّية، سوى محاولة التماهى بملابسهم العسكرية التي يطغى عليها اللون الأخضر الداكن مع خضرة أشجار الغابة التي تسللوا في أرجائها.

ومع اشتداد القصف واقترابه من مكان تمركز الفرقة، علا صوت قائدها: “بيريوت “، وتعني بالروسية “إلى الأمام”، ولم يوقفهم عن الهرولة إلا وجود خندق على بعد 400 متر، اختفوا داخله من طائرات الدرون التي تحلّق بكثافة في أرجاء الغابة الممتدة في ظهير مدينة “دونيتسك” التي تشهد ضواحيها اشتباكات ومواجهات متفرقة ومتكررة بين جنود روس وأوكران منذ اقتحمها الجيش الروسي في فبراير 2022.

احتماء سعيد وزملائه في الخندق، لم يحمهم من قذائف الطائرات الدرون، التي استهدفتهم إحدى قذائفها، قُتل على إثرها الجنود الروس الثلاثة وأصيب سعيد المصري، وكان خامسهم السوري الأوفر حظًا.

ولم يتمكن من نجا من الموت (سعيد الذي أصيب، وزميله السوري) من التواصل مع قادتهما، بسبب تدمير شظايا الانفجار جهاز اللاسلكي، وسيلة التواصل الوحيدة مع الكتيبة؛ التي اعتبرتهما في تعداد الموتى بمجرد انقطاع الاتصال معهما، وظل الجنديان، المصري والسوري، في الخندق لمدة يومين، حتى أوشك ما معهما من طعام على النفاد، فأدركا حينها أن الموت قادم لا محالة.

يمر شريط الذكريات أمام سعيد المصري، يتذكر حلمه في السفر إلى روسيا، ورهانه على أن حياته ستتغير للأبد بعد انتقاله للعيش في دولة غربية تتشاطر مساحتها المصنفة بالأكبر عالميًا قارتي أوروبا وآسيا.

ففي أواخر صيف 2021، جاء سعيد ذو الـ18 عامًا إلى روسيا، من أجل الالتحاق بجامعة كالينينغراد التي تحمل اسم المقاطعة الروسية القابعة وسط الأراضي الأوروبية، تاركًا أهله بمحافظة الإسكندرية التي ولد ونشأ وعاش فيها، كخطوة وصفها المقربون منه بـ”الجريئة” على طالب انتهى لتوّه من اجتياز امتحانات الثانوية العامة بمجموع 80%، لكن ما شجعه على خوض التجربة رغم تحفظات أسرته إقدام عدد من دائرة معارفه على القيام بها.

عقبات تعلم اللغة في عامه الأول في روسيا، وعامه الثاني بين أروقة الجامعة الروسية، وحلمه في جمع شمل أسرته في روسيا بعد حصوله على جنسيتها التي خاطر من أجلها.

يبتسم سعيد ابتسامة ساخرة، متذكرًا اعتباره الالتحاق للقتال ضمن صفوف القوات الروسية في أوكرانيا الطريق المختصر والأسرع وطوق النجاة الذي سيمكنه من إنقاذ حلمه والتأسيس لحياته الجديدة الدائمة في أوروبا، وكانت معرفته بالتحاق أحد زملائه الطلاب من العرب والمصريين للقتال ضمن صفوف القوات الروسية يعزز فكرة انضمامه.

الشاب المصري “سعيد” وزميله السوري في الفرقة الاستكشافية والكتيبة القتالية كانا من ضمن 100 ألف شاب تعاقدت معهم وزارة الدفاع الروسية خلال الأربعة أشهر الأولى من عام 2024، بينهم آلاف الشباب من جنسيات عربية مختلفه (مصريون وسوريون وعراقيون ومغاربة…وغيرهم)، لا يمتلك أغلبهم خبرات عسكرية سابقة. ووصل إجمالي المتعاقدين منذ إقرار التعديلات على قانون الخدمة العسكرية (في مارس 2022) إلى 420 ألف جندي حتى إبريل 2024، وفقًا لبيانات وزارة الدفاع الروسية.

الفرقة الاستكشافية التي تتكون من سعيد المصري وزميله السوري وثلاثة جنود روس، كانت مهمتهم التوغل بمناطق الاشتباك لتقفي أثر القوات الأوكرانية، وكل جندي منهم يحمل سلاحه وذخيرة احتياطية وقربة ماء وقطع بسكويت تكفيه ثلاثة أيام.

المهمة العسكرية التي كُلّفت بها فرقة “سعيد” كانت بعد شهرين من التحاقه بالجيش الروسي، قضى منهما شهرًا في معسكر التدريب، والآخر رفقة جنود الكتيبة التي استقر بها، والتي اتخذت من “دونيتسك” مقرًا لها بعد فرض القوات الروسية سيطرتها على مساحات من الإقليم الأوكراني.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *