نووي إيران: هذا هو المسار الأمريكي «الأكثر حكمة» لمواجهته

مع تلويح إيران بتغيير عقيدتها النووية بما يسمح لها إنتاج السلاح النووي، أثيرت في الأوساط الأمريكية أسئلة بشأن المسار «الأكثر حكمة»، في التعامل مع طموحات طهران.

وكان كمال خرازي، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، لوح يوم الجمعة، بأن طهران لا ترى صعوبة في تغيير عقيدتها النووية حال وجود خطر وجودي، مشيرًا إلى أن طهران «تملك القدرات الفنية اللازمة لإنتاج السلاح النووي، وفتوى قائد الثورة هي فقط ما يمنع ذلك».

وصدرت فتوى تحريم صناعة، واستخدام الأسلحة النووية من قبل المرشد الأعلى خامنئي عام 2003، وبعد عامين أعلنتها الحكومة الإيرانية في بيان رسمي في اجتماع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا.

يقول الأكاديمي الأمريكي أندرو لاثام، في مقال له بصحيفة «ذا هيل»، إنه مع تقدم طموحات إيران النووية وتصاعد التوترات الإقليمية، أكدت الضربات الإسرائيلية الأخيرة ضد الدفاعات الجوية الإيرانية ومنشآت إنتاج الصواريخ الباليستية أن نقاط الضعف لدى طهران «حقيقية»، وأن نهج ضبط النفس المدروس، إلى جانب العمل العسكري المحدود، «يمكن أن يحتوي طموحات إيران بشكل فعال».

وفيما تتشارك الولايات المتحدة وإسرائيل القلق من امتلاك إيران للسلاح النووي، لما يشكله هذا من «تهديد وجودي للدولة العبرية»، تتعامل واشنطن بحذر خشية التورط في صراع مطول آخر في الشرق الأوسط، يضيف الأكاديمي الأمريكي.

وأشار إلى أن الضربات الإسرائيلية الأخيرة تقدم نموذجاً «مفيداً يتماشى مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية: إجراءات دقيقة ومقيدة تعمل على تعطيل أنشطة إيران بشكل فعال دون تصعيدها إلى أعمال عدائية أوسع نطاقاً».

وحذر من أن المخاطر المترتبة على المواجهة الشاملة مع إيران «معروفة»؛ فـ«من الممكن أن تؤدي ضربة شاملة للبنية الأساسية النووية الإيرانية إلى استفزاز شبكة إيران الواسعة من الوكلاء الإقليميين ــ بما في ذلك حزب الله في لبنان، والمليشيات الشيعية في العراق، والحوثيين في اليمن ــ الأمر الذي قد يؤدي إلى اتخاذ إجراءات انتقامية واسعة النطاق ضد المصالح الإسرائيلية والأمريكية على حد سواء».

ومن شأن مثل هذا التصعيد أن «يزعزع استقرار الشرق الأوسط، ويشجع المتشددين داخل إيران على تسريع البرنامج النووي الذي تعمل إسرائيل والولايات المتحدة على احتوائه»، بحسب الزميل الأول في معهد السلام والدبلوماسية.

وبحسب أندرو لاثام، فإن العمليات الإسرائيلية الأخيرة توفر نموذجاً لهذا النهج: ضربات محددة الهدف تشير إلى الخطوط الحمراء الإسرائيلية دون إثارة حرب شاملة، مؤكدًا أنه من خلال التركيز على أصول عسكرية محددة، ترسل إسرائيل رسالة واضحة حول الحدود التي هي مستعدة لفرضها.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن دعم الإجراءات المحدودة التي تتخذها إسرائيل مع توسيع الشراكات الإقليمية في مجال الدفاع الصاروخي وتبادل المعلومات الاستخباراتية يوفر إطاراً قوياً للردع.

ذلك المسار، تشكل الضغوط الاقتصادية عنصراً أساسياً فيه؛ فالعقوبات المستهدفة على الحرس الثوري الإيراني والقطاع النووي الإيراني «تستمر في استنزاف الموارد التي كان من الممكن أن تستخدم لتمويل طموحات طهران النووية»، بحسب الأكاديمي الأمريكي، الذي قال إن هذا النهج القائم على «الضغط من دون استفزاز» يشكل فعالية خاصة عندما تنسق الولايات المتحدة مع حلفائها الأوروبيين لفرض العقوبات بصرامة.

وأشار إلى أن «تعزيز فرض العقوبات، إلى جانب العمليات العسكرية الإسرائيلية العرضية، من شأنه أن يزيد الضغوط على إيران، الأمر الذي يشير إلى أن خطواتها النووية ستواجه مقاومة على جبهات متعددة».

ضغوط يجب أن تتزامن مع الجهود الدبلوماسية، عبر اتخاذ موقف موحد من قبل حلفاء أمريكا الأوروبيين، والجهات الفاعلة الإقليمية، ما من شأنه «عزل طهران»، ويرسل رسالة لها مفادها، أنه «في حين قد تظل السبل الدبلوماسية مفتوحة، فإن طموحاتها سوف تكون مقيدة بجبهة دولية متماسكة»، يقول أستاذ العلاقات الدولية في كلية ماكاليستر بولاية مينيسوتا.

وفي الوقت نفسه، «يتعين على إسرائيل والولايات المتحدة أن توضحا خطوطهما الحمراء دون تصعيد غير ضروري. مع التأكيد على التزامهما الدفاعي الثابت بالدفاع». 

ومن خلال تحديد واضح بأن الإجراءات الدفاعية لن تُتخذ إلا رداً على الاستفزازات الإيرانية، تستطيع إسرائيل والولايات المتحدة الحفاظ على موقف رادع قوي دون المخاطرة بحدوث سوء فهم، يقول الأكاديمي الأمريكي، مشيرًا إلى أن «التسرع في شن الحرب ليس ضرورياً ولا حكيماً».

وأكد أن الضربات الإسرائيلية الأخيرة الموجهة إلى إيران تظهر أن «طموحات طهران يمكن كبحها بفعالية دون إغراق المنطقة في حرب، من خلال نهج مدروس ومتوازن، وعبر الجمع بين ضبط النفس الاستراتيجي والعمل العسكري المحدود من حين إلى آخر لتعزيز الخطوط الحمراء».

وأشار إلى أن هذا المسار من «ضبط النفس الاستراتيجي، الذي يكمله إجراءات مختارة بعناية، لا يشكل علامة ضعف بل استجابة متطورة ومستدامة تعمل على تعظيم الضغوط على إيران مع الحفاظ على الاستقرار الإقليمي».

أما العسكري الأمريكي السابق دان نيديس، فيقول في مقال له بالصحيفة نفسها، إن الولايات المتحدة لم تتخذ أي إجراء أو حتى تأكيد على ما هي مستعدة للقيام به لمنع امتلاك إيران سلاحا نوويا، في الأشهر السابقة.

وأوضح أن «اتخاذ إجراءات حاسمة ليس شيئًا بنت عليه الإدارة الأمريكية الحالية سمعة طيبة»، إلا أن سلوك هذا الطريق «هو ما تتطلبه اللحظة. ولم تكن هناك فرصة أفضل من هذه».

وشبه العسكري الأمريكي السابق، الوضع في كوريا الشمالية بإيران، مشيرًا إلى أنه بينما فشلت الإدارات الأمريكية في إقناع بيونغ يانغ في التخلي عن طموحاتها النووية، تسير إدارة جو بايدن على نفس النهج.

فلقد نشأت برامج الأسلحة في كل من البلدين من مشاريع نووية سلمية ظاهرياً سُمح لهما بمواصلتها. وقد وافق كل منهما على ضمانات وعمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وفي سبتمبر/أيلول 2005، وافقت كوريا الشمالية على إعادة تنفيذ بروتوكولات الوكالة ووقف برامجها النووية. وقد أكسبها هذا رضا أمريكا وكوريا الجنوبية واليابان، فيما يحاول الرئيس الإيراني حالياً فعل الشيء نفسه.

وطالب العسكري الأمريكي بـ«تدمير الإمكانات النووية الإيرانية»، زاعمًا أن هذه هي «الفرصة الأخيرة التي نتمتع بها وهي تفلت من أيدينا».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *