
“عبوات مقلدة وعينات تحوي شوائب وفطريات ومصانع غير مرخصة”، عبارات صادمة تصدر من حين إلى آخر من جهات رسمية تدق معها ناقوس الخطر في شأن جودة المياه المعبأة في مصر، وتفرض تساؤلات ملحة حول مدى انضباط وفاعلية آليات الرقابة لمنع السلع المغشوشة من الوصول إلى الأسواق.
وبحسب متخصصين تحدثوا إلى “اندبندنت عربية” فإن الكثير من المياه المعدنية في مصر ليست كذلك وهي عبارة عن مياه معبأة، وغالبيتها إما جوفية، وإما مصدرها صنابير عادية تغلى، ثم تبرد وتضاف إليها مكملات غذائية وتحتاج إلى اشتراطات صحية في التخزين والحفظ، وبعض هذه المصانع، وفق حديثهم، لا تلتزم المعايير، مما يتطلب رقابة صارمة.
يقول المتخصص الدولي في شؤون المياه أحمد فوزي دياب إن حيل الغش الشائعة في المياه متعددة، ومنها استخدام أسماء علامات تجارية شهيرة ووضع ملصقات مقلدة، وهو ما يتطابق مع البيانات الرسمية الصادرة عن حملات مكثفة سابقة على الأسواق، ملقياً الضوء على مسؤولية وزارة الصحة عن عملية الرقابة على مثل هذه الممارسات.
تواصلنا مع نائب وزير الصحة والسكان عمرو قنديل إلا أنه رفض التعليق على انتشار أصناف مياه معبأة مغشوشة في السوق المصرية، وقال “مياه معدنية (غير مطابقة للمواصفات) بكميات كبيرة. من الذي قال ذلك؟”، رافضاً الإجابة عن الاستفسارات المتعلقة بنتائج الحملات التي تكشف عن ممارسات الغش التجاري في المياه المعبأة والإجراءات المتخذة من وزارة الصحة لمواجهتها.
وتتعدد طرق الاحتيال والغش في سوق المياه المعبأة، ومن بين هذه الطرق واقعة تعود تفاصيلها إلى فبراير (شباط) الماضي، عندما ضبطت مديرية تموين البحيرة 6 آلاف زجاجة مياه معدنية مجهولة المصدر خلال حملة على أسواق كفر الدوار. وعرفت عمليات غش المياه في مصر مصانع “بير سلم”.
وفي أغسطس (آب) الماضي ضبط مصنع في مطروح يعمل من دون ترخيص يعيد استخدام زجاجات المياه المعدنية الفارغة وتعبئتها بالماء لبيعها مجدداً، وأظهر تقرير مديرية الصحة بالمحافظة أن المياه المستخدمة غير صالحة للشرب لوجود فطريات وشوائب.
وقبل عامين عثر بداخل مصنع بالمرج غير مرخص على 13 ألف زجاجة مياه معدنية بأحجام مختلفة جميعها مجهولة المصدر ومن دون مستندات تدل على مصدرها و2000 زجاجة فارغة معدة للتعبئة وكميات كبيرة من الملصقات، وسبقها تمكن الأجهزة الرقابية بوزارة التموين والتجارة الداخلية في مصر من ضبط مصنع شهير بتعبئة عبوات المياه من مياه الصنابير العادية.
لم يقف تداول المياه المغشوشة عند المناطق النائية، وإنما وصلت منتجاتها إلى واحدة من المدن الأكثر جذباً للسياحة في مصر، وكشفت حملة استهدفت شركات المياه المعبأة بشرم الشيخ في مايو (أيار) الماضي عن ضبط 3670 غالون مياه، بوزن 70 طناً بإحدى شركات المياه بالمدينة لمخالفتها للمواصفات والقوانين المصرية، إذ تقوم هذه المحطات بتقليد عبوات لشركات كبري لتعبئة مياه الشرب الطبيعية.
وأعادت الواقعة السابقة إلى الأذهان تفاصيل تعود لعام 2014 عندما ضبطت كميات كبيرة من المياه المعدنية غير صالحة للاستهلاك الآدمي، وغير المطابقة للمواصفات محملة على 10 سيارات نقل، متجهة إلى شرم الشيخ لتوزيعها على الفنادق والقرى السياحية.
وفي أكثر من مناسبة ناقش مجلس النواب المصري هذه الأزمة، إذ سبق أن تقدمت النائبة المصرية روان لاشين بطلب إحاطة موجه إلى وزير التموين والتجارة الداخلية في شأن انتشار “مصانع بير سلم”، تعمل على تعبئة المياه العادية على أنها مياه معدنية داخل زجاجات تحمل علامات تجارية وهمية لكبرى الشركات وبيعها للمواطنين لتحقيق الأرباح على حساب صحة المواطنين.
وقالت النائبة في طلبها إن هذه المصانع تعيد استخدام الزجاجات البلاستيكية أكثر من مرة، مما يمثل خطراً على صحة المواطن نتيجة تفاعل البلاستيك مع المياه منتجاً مواد مسرطنة، بخاصة إذا كان البلاستيك يتعرض لأشعة الشمس.