
للعام الرابع على التوالي، تظل منطقة الساحل في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، الممتدة من الصحراء الكبرى شمالاً إلى السافانا الأكثر رطوبة جنوباً، واحدة من أخطر المناطق في العالم من حيث العنف الناتج عن الإرهاب. ووفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي، تحتل ست دول من العشر الأكثر تضررًا من الإرهاب مواقع متقدمة عالميًا، وهي بوركينا فاسو، مالي، النيجر، نيجيريا، الصومال، والكاميرون. كما تضم قائمة الدول العشرين الأولى دولاً أخرى مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، موزمبيق، كينيا، تشاد وتوغو.
وتشكل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، التي ترتبط بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية ـ ولاية الساحل (المعروف سابقًا بتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى)، التهديد الإرهابي الأكبر في هذه المنطقة. توسعت أنشطة الجماعة مؤخرًا في التجنيد والسيطرة على الأراضي، حيث تقدمت شرقًا من بوركينا فاسو نحو النيجر، وجنوبًا نحو دول خليج غينيا مثل بنين وغانا وتوغو. وفي نهاية الأسبوع الماضي، شهدت بنين هجومًا عنيفًا نفذته كتيبة حنيفة التابعة للجماعة، أسفر عن مقتل أكثر من 70 جنديًا في غارات على موقعين عسكريين في شمال البلاد، وهو أعنف هجوم منذ أكثر من عقد، ما يؤكد خطورة تزايد نفوذ الجماعات الجهادية في غرب إفريقيا.
تزامن هذا التصعيد مع الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية والفرنسية من المنطقة، ما خلق فراغًا أمنيًا يسعى فيلق أفريقيا، المعروف سابقًا بمجموعة فاغنر الروسية، لملئه عبر تقديم الدعم العسكري وعمليات المرتزقة، وهو ما يثير مخاوف من تعقيد الوضع وزيادة التوترات في منطقة كانت تشهد استقرارًا نسبيًا.
في نيجيريا، لا تزال الجماعات الإرهابية تمثل تهديدًا متزايدًا رغم الضغوط العسكرية المتواصلة، حيث يواجه تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا مقاومة قوية من القوات النيجيرية، لكنه يستمر في الصمود وتوسيع مناطق نشاطه، خاصة في شمال شرق البلاد.
ويُذكر أن تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا لا يزال في صراع متقطع مع جماعة بوكو حرام، التي شهدت انقسامات داخلية لكنها لا تزال تشكل قوة مسلحة فاعلة. وتشير تقارير أمنية إلى احتمال تحالف مستقبلي بين تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا وتنظيم ولاية الساحل، وهو تحالف قد يضاعف التحديات الأمنية ويؤدي إلى انتشار الإرهاب من منطقة الساحل شمالًا إلى حوض بحيرة تشاد جنوبًا.
في سياق متصل، سجلت الكاميرون زيادة بنسبة 51% في الوفيات الناجمة عن العنف خلال العام الماضي، ويدخل ذلك ضمن السياق الأوسع لتصاعد نشاط الجماعات المسلحة في غرب إفريقيا، مما يضعها ضمن قائمة الدول العشر الأكثر تضررًا من الإرهاب على المستوى العالمي.
أما في منطقة القرن الإفريقي، فيواصل تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال وحركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة زعزعة استقرار المنطقة، إذ يُعتبر كلاهما ركيزتين أساسيتين في عالم الجهاد العالمي. ووفقًا لتقرير تقييم التهديدات الإرهابية العالمية لعام 2025 الصادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، تعتبر حركة الشباب الجماعة الإرهابية الأفريقية الأكثر احتمالًا لشن هجوم مميت ضد أهداف أمريكية، وهو ما يعكس الخطورة المتزايدة لهذا التنظيم.
يُضاف إلى ذلك أن تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال لا يمثل فقط تهديدًا عسكريًا محليًا، بل يشكل حلقة وصل لوجستية هامة ضمن الشبكة الإرهابية العالمية، حيث يجذب مقاتلين أجانب من الشرق الأوسط وأفريقيا، ويتولى قيادة عمليات التمويل والتجنيد واتخاذ القرارات الحاسمة بشأن العمليات، ويتخذ معقله في منطقة بونتلاند شمال شرق الصومال. وفي إطار مكافحة الإرهاب، كثفت الولايات المتحدة خلال الأشهر الأولى من العام الجاري غاراتها بطائرات دون طيار على أهداف مرتبطة بالجماعات الإرهابية في الصومال، بهدف تدمير بنيتها التحتية وإضعاف قدراتها العملياتية، وهو اتجاه متوقع أن يستمر في ظل استمرار التهديد.
في وسط وجنوب إفريقيا، تبرز مجموعات مسلحة مثل القوات الديمقراطية المتحالفة، المعروفة أيضًا باسم الدولة الإسلامية في إفريقيا الوسطى، وتنظيم الدولة الإسلامية في موزمبيق، بالإضافة إلى جماعة أهل السنة والجماعة، كعناصر تهديد خطيرة تستغل الاضطرابات السياسية والفراغ الأمني.
ففي موزمبيق، تمكنت جماعة أهل السنة والجماعة من الاستفادة من دعم شبكات إقليمية لتوسيع نشاطها في منطقة كابو ديلجادو الشمالية، التي تعد من أفقر مناطق البلاد اقتصاديًا، حيث تشن هجمات تستهدف البنية التحتية الحيوية، لا سيما مشاريع الغاز الطبيعي المسال التي تعد ركيزة أساسية للاقتصاد الموزمبيقي.
ويأتي من بين أبرز هذه الهجمات الهجوم الذي وقع عام 2021 على مشروع للغاز الطبيعي المسال بقيمة 20 مليار دولار تابع لشركة توتال إنرجيز، مما أدى إلى تعليق المشروع وتأثيرات سلبية على الاقتصاد الوطني. واستجابةً لتصاعد العنف، تدخلت قوات الدفاع الرواندية وقوات مجموعة التنمية لجنوب إفريقيا في موزمبيق لمحاولة احتواء التمرد، لكن الانتهاكات التي ارتكبتها هذه القوات أثارت احتجاجات وتوترات داخلية، ودفعت إلى زيادة في عمليات التجنيد بين صفوف الجماعات المسلحة، ما يهدد بتوسيع دائرة العنف.
في سياق متصل، تشهد موزمبيق منذ الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في 2024 اضطرابات أمنية وسياسية متزايدة، تعطي فرصة للجماعات المسلحة للاستفادة من ضعف الدولة والفراغ الأمني لتعزيز وجودها وبسط نفوذها.
أما في جمهورية الكونغو الديمقراطية، فقد تصاعد العنف بشكل كبير منذ بداية 2025 مع عودة نشاط حركة 23 مارس المتمردة المدعومة من رواندا، التي تمكنت من فرض سيطرتها على معظم مناطق شمال وجنوب كيفو في شرق البلاد.
في الوقت نفسه، تتزايد هجمات القوات الديمقراطية المتحالفة، التي تطورت من تمرد إسلامي أوغندي محلي إلى واحدة من أكثر الجماعات المسلحة نشاطًا في المنطقة، وأسفرت أعمالها عن مقتل أكثر من ألف شخص في عام 2023.
تشير تحليلات إلى أن العمليات العسكرية المشتركة بين أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية لم تستطع احتواء التهديد بشكل كامل، لا سيما مع إعادة نشر القوات الكونغولية لمواجهة حركة 23 مارس، مما أدى إلى زيادة الفجوات الأمنية التي استغلتها القوات الديمقراطية المتحالفة لشن هجمات عنيفة واستعادة بعض الأراضي. وتبرز في هذا الصراع خلفيات جيوسياسية معقدة، حيث تدعم رواندا تمرد حركة 23 مارس لأهداف استراتيجية تتعلق بالسيطرة على الموارد الغنية في شرق الكونغو، فيما تسعى أوغندا لتعزيز نفوذها من خلال التدخل العسكري.
تضم شرق الكونغو أكثر من مئة جماعة مسلحة غير حكومية، إضافة إلى قوى خارجية ترعى فصائل متعددة، ما يجعل المشهد الأمني هشًا ومعقدًا للغاية، دون مؤشرات واضحة على تحسن في المستقبل القريب.
في ضوء هذه التطورات، تتضح أن الإرهاب في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لم يعد مجرد مشكلة أمنية محلية أو إقليمية، بل تحول إلى ظاهرة متعددة الأبعاد تتقاطع فيها عوامل سياسية، اقتصادية، واجتماعية مع تدخلات إقليمية ودولية. وتعكس هذه الحالة ضرورة العمل المشترك بين دول المنطقة والدعم الدولي لتعزيز قدرات الأمن والاستقرار.
في الوقت ذاته، يبرز دور القوى الخارجية المتغيرة، مع تراجع النفوذ العسكري الأمريكي والفرنسي، وظهور عناصر جديدة مثل فيلق إفريقيا الروسي، مما يعيد تشكيل التوازنات ويزيد من تعقيد المشهد الأمني. كما تُبرز الحالة أهمية معالجة الجذور الاجتماعية والاقتصادية التي تغذي ظاهرة الإرهاب، مثل الفقر، البطالة، الفساد، ونقص الخدمات الأساسية.
حفريات: حنان جابلي