شركات الشحن تتأهب لتداعيات إغلاق مضيق هرمز

تدرس إيران بشكل جدي إغلاق مضيق هرمز البحري، مع استمرار الصراع مع إسرائيل الذي بدأ يوم الجمعة بضربات إسرائيلية واسعة ضد طهران، وفقًا لعضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، إسماعيل كوثري. ويُعد مضيق هرمز، الواقع بين مثلث دول هي إيران شمالًا وسلطنة عُمان والإمارات جنوبًا، أهم بوابة لشحن النفط في العالم، إذ يمر من خلاله ما يصل إلى 30% من شحنات النفط العالمية يوميًا، بمتوسط حوالي 20 مليون برميل يوميًا.

ويُوجَّه نحو 70% من صادرات النفط عبر هرمز لدول شرق آسيا، وعلى رأسها الصين، ثاني أكبر اقتصاد وأكبر مستورد للنفط في العالم. إلى جانب كونه ممرًا مائيًا “لا غنى عنه” لقطاع الطاقة عالميًا، فهو كذلك شريان الحياة لحركة الحاويات في الخليج العربي، وخاصة لميناء جبل علي في دبي، الذي يُعد الميناء التاسع عالميًا من حيث حركة الحاويات.

وقد يؤدي الإغلاق المحتمل لمضيق هرمز إلى سد المنفذ البحري الوحيد لدول مثل الإمارات وقطر والكويت والبحرين والعراق، إضافة إلى الساحل الشرقي للسعودية. وحتى الآن، تستمر حركة الملاحة كالمعتاد في المضيق “دون قيود حتى الآن”، وفقًا لمدير الاتصال المؤسسي في شركة هاباغ لويد، نيلس هاوبت.

وفي تصريح لفوربس الشرق الأوسط, قال هاوبت: “قد يتغير الوضع كل ساعة، لكن الوضع يبدو جيدًا في الوقت الحالي. لم نعبر البحر الأحمر منذ ديسمبر/كانون الأول 2023، ولن نفعل ذلك في الوقت الحالي”. وفي تطور لافت، بدأت قطر للطاقة في حد حركة ناقلات الغاز عبر مضيق هرمز، إذ قالت مصادر إنها وجهت السفن بالبقاء خارج الخليج حتى اليوم السابق للتحميل خارج مضيق هرمز. وقطر هي أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، ويمثل ما تصدره عبر مضيق هرمز نحو ربع استخدام الغاز الطبيعي المسال عالميا.

إذا، ماذا لو أقدمت إيران على إغلاق المضيق البحري الحيوي؟ ما زالت حركة الملاحة تسير بشكل اعتيادي في مضيق هرمز، رغم التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل المتفاقم منذ يوم الجمعة الماضي. وفي تصريح لفوربس الشرق الأوسط عبر البريد الإلكتروني، استبعدت شركة “أمبري”، البريطانية للأمن البحري، أن تقدم إيران على إغلاق المضيق.

وقالت أمبري: “في ظل الظروف الراهنة، لا ترجّح تقديرات أمبري إغلاق مضيق هرمز. وكما ذكر مركز المعلومات البحرية المشترك (JMIC)، لا يوجد حاليًا أي مؤشر مؤكد على مثل هذا الإجراء”.

ورصد مركز “JMIC” عبور 111 سفينة شحن عبر المضيق يوم الأحد، بانخفاض عن 116 سفينة يوم السبت. كما أكدت القوة البحرية المشتركة متعددة الجنسيات، بقيادة الولايات المتحدة، استمرار حركة الشحن البحري في المضيق، على الرغم من رغبة بعض ملاك السفن بتجنب المنطقة. ومع اندلاع الصراع يوم الجمعة، أعلنت شركة فرونتلاين – أكبر ناقل نفط بحري – أنها لن تقبل عقودًا جديدة للملاحة في الخليج.

ونقلت “فايننشال تايمز” عن المدير التنفيذي لارس بارستاد قوله: “لسنا بصدد التعاقد على دخول الخليج. هذا لن يحدث الآن”، مضيفًا: “ستصبح التجارة أقل كفاءة، ومن المؤكد أن الأمن له ثمن”. وتزامنًا مع ذلك، نصحت بريطانيا واليونان سفن الشحن التجاري التابعة لهما بتجنب الإبحار عبر خليج عدن وتسجيل جميع الرحلات عبر مضيق هرمز.

وقال كبير مسؤولي السلامة والأمن في رابطة الشحن “بيمكو”، جاكوب لارسن: “لدينا تقارير تفيد بأن المزيد من مالكي السفن يتوخون الحذر الشديد ويفضلون الابتعاد عن البحر الأحمر والخليج”. ولم تصدر بعد بيانات من شركات الشحن الكبرى مثل هاباغ لويد ومايرسك بشأن تهديدات الملاحة في الخليج، لكنها واصلت تجنب منطقة خليج عدن والبحر الأحمر.

وفي هذا السياق، اعتبر الرئيس السابق للغرفة الدولية الملاحية في بيروت إيلي زخور، أن أسعار الشحن ارتفعت بعد التصعيد بين إيران وإسرائيل في بداية الأسبوع، متأثرة مباشرة بارتفاع أسعار النفط. ووصلت مكاسب خام برنت إلى نحو 13% يوم الجمعة عند بدء الضربات قبل أن تقلص أرباحها عند الاقفال إلى 7%، ليصل سعره اليوم إلى حوالي 74 دولارًا للبرميل مقابل 69 دولارًا الأسبوع الماضي.

وقال زخور لفوربس الشرق الأوسط: “هذا الارتفاع سيؤدي حتمًا إلى ارتفاع كلفة الشحن، لأن حصّة الوقود من إجمالي تكاليف الشحن عبر السفن تتراوح عادة بين 30% و60%، وهذا يمثل جزءًا كبيرًا من نفقات التشغيل”.

ويضيف أن حركة الملاحة لا تزال مستمرة بشكل اعتيادي في المضيق، رغم دخول الصراع يومه الخامس، ولا تزال أسعار التأمين مستقرة، لكنه يؤكد أن “الاحتمالات كلها واردة بين لحظة وأخرى في حال تعرض المضيق للإغلاق”.

وإلى جانب مضيق هرمز، يثير الصراع مخاوف جديدة بشأن الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس. وقد تأثرت هذه الممرات بهجمات شنّتها جماعة الحوثي الموالية لإيران منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023. وكانت تستهدف السفن الأميركية والإسرائيلية أو التابعة لهما، وهو ما حذّرت منه “أمبري” حين أكدت وجود خطر متزايد على الشحن التابع لإسرائيل في المضايق.

وبحسب لارسن: فإنه في حال اتهام الولايات المتحدة بالتورط في أي هجمات، فإن خطر التصعيد سيزداد بشكل كبير.. وقد يشمل هذا هجمات صاروخية على السفن أو زرع ألغام بحرية في مضيق هرمز.

وفقًا لهاباغ لويد، تمر أكثر من 3 آلاف سفينة عبر هرمز كل شهر. ويسهل إغلاق المضيق والسيطرة عليه، إذ يبلغ عرضه عند أضيق ممراته 21 ميلاً بحريًا (نحو 38 كم). ويشير تقرير “هاباغ لويد” إلى أن تداعيات الإغلاق ستكون وخيمة، خاصة على دول المنطقة، حيث ستواجه موانئ إقليمية مثل مينائي جبل علي وأبوظبي في الإمارات، وميناء صحار في عُمان، وميناء الدمام في السعودية تأخيرات وصعوبات في إعادة توجيه السفن، وزيادة في التكاليف.

بالإضافة إلى ذلك، قد تتأثر مراكز عالمية رئيسية مثل ميناء سنغافورة، وميناء موندرا بالهند، وموانئ البحر الأبيض المتوسط، باضطرابات تؤثر على الجداول الزمنية وسلاسل التوريد عالميًا. ولا تنحصر أهمية المضيق في تصدير النفط والغاز، بل إنه ممر رئيس لشحن البضائع، خصوصًا السلع الأساسية مثل الحبوب وخام الحديد، التي تُقدَّر بنحو 22% من الشحنات، بحسب زخور.

وأوضح: “السعودية مثلًا لن تتأثر كثيرًا لأن لديها أنابيب لنقل الطاقة عبر البحر الأحمر، فالمشكلة لن تكون كبيرة مقارنة بإيران التي ستُغلق بنسبة 100%”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *