التوتر في صفوف اليمين الفرنسي يخرج إلى العلن

الصراع الذي كان خفيا ومضبوطا، بات اليوم أكثر وضوحا وعلانية. فتعليق صغير من مارين لوبان، زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي، كان كفيلا بكشف اتساع الهوة بينها وبين الوجه الجديد الصاعد لليمين المتطرف جوردان بارديلا، الذي كان حتى وقت قريب تحت جناحها السياسي، والذي ترأس منذ العام 2022 حزب التجمع الوطني “بمباركتها”. فالقمة لا تتسع إلا لشخص واحد، ولوبان تعرف هذا الأمر جيدا.

فخلال زيارتها إلى كاليدونيا الجديدة يوم الخميس، وردا على سؤال حول غياب جوردان بارديلا عن مرافقتها، أدلت مارين لوبان بتصريح مفاجئ قالت فيه: “لست متأكدة من أن بارديلا مُلم بمشاكل كاليدونيا الجديدة. نحن نتشارك خبراتنا”.

وقد اعتبرت معظم الصحف الفرنسية هذا التصريح بمثابة “تأديب” علني لبارديلا، ومؤشرا واضحا على التوتر المتصاعد بين الطرفين.

من جانبه، حاول بارديلا تدارك هذا التعليق قائلا إن لوبان “منخرطة في هذا الملف منذ وقت طويل، وهي اليوم الأجدر بتمثيل حركتنا في هذه المشاورات”.

وأضاف، في ما اعتُبر ردا مبطنا على تصريح لوبان: “أطمئنكم، أنا ملمّ جيدا بالملفات المتعلقة بالمناطق ما وراء البحار، وخاصة ملف كاليدونيا الفرنسية”.

حاول تهدئة الجدل، موضحا أن تصريح مارين لوبان “أُخرج من سياقه”، مضيفا: “لن أنخرط في لعبة التصريحات القصيرة، التي تقوم على الإفراط في التعليق أو التأويل المبالغ فيه لما يُقال من هذا الطرف أو ذاك”.

لطالما كانت مارين لوبان المرشحة الأبرز، بل الوحيدة فعليا، لحزب التجمع الوطني في الانتخابات الرئاسية السابقة، وكذلك في الاستحقاق المرتقب عام 2027. غير أن المتاعب القضائية التي واجهتها مؤخرا، والحكم بحقها الذي يحظر عليها الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، أعاد خلط الأوراق داخل حزبها، رغم أن قرار محكمة الاستئناف سيصدر في صيف العام 2026.

وقد ساهمت موجة من استطلاعات الرأي الإيجابية لصالح بارديلا، في التشكيك المتزايد في مستقبل لوبان السياسي، في إضعاف موقفها، رغم إصرارها العلني على الترشح للمرة الرابعة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

فقد أظهر استطلاع نُشر الأسبوع الماضي حصول كل من مارين لوبان وجوردان بارديلا على نسبة 31% من نوايا التصويت في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وهي سابقة تعكس تحولا واضحا في موازين القوى داخل حزب التجمع الوطني.

وكانت “بوليتيكو” قد سلط الضوء على هذا الخلاف حتى قبل ظهوره للعلن، مشيرا إلى أن “قبول الناخبين باستبدال مارين لوبان ببارديلا سيثير حكما توترات داخل الحزب، خاصة في ضوء تاريخه الطويل تحت قيادة والدها جان-ماري لوبان، الذي حكم الحزب بقبضة من حديد، وخاض معارك داخلية شرسة حول مسألة الخلافة”.

وأضاف: “حرصت لوبان، طيلة السنوات الماضية، على توزيع الأدوار من حولها بعناية، بما في ذلك الدور الذي أسندته لبارديلا، وذلك بهدف تجنّب التنافسات الداخلية والانقسامات التي كادت أن تُطيح بالحزب خلال حقبة والدها”.

وكان من المتوقع أن يخوض بارديلا الانتخابات كرئيس للحملة، حيث يُنظر إليه كخليفة محتمل ورئيس وزرائها المستقبلي.

وكشف الموقع أن “استطلاعا واسع النطاق كان على وشك النشر من قبل مؤسسة IFOP قد شمل فقط جوردان بارديلا كمرشح حزب التجمع الوطني لعام 2027، دون ذكر لوبان إلا بعد تدخل اثنين من كبار مساعديها”.

وتابع: “حمل الاستطلاع بصمة الملياردير المحافظ بيير-إدوار ستيرين، أحد كبار المانحين للمؤسسة التي كلفت بإجرائه. يُذكر أن ستيرين، الذي تعهد بتخصيص ملايين الدولارات لإعادة تشكيل المشهد السياسي الفرنسي وفقا لأفكاره، ليس من المعجبين بلوبان، ويفضل دعم مرشحين يمينيين أكثر تحررا اقتصاديا مقارنة بالزعيمة اليمينية المتطرفة التي صعدت إلى السلطة مدافعة عن سياسات الحمائية الاقتصادية”.

وقد اعتبر أنصار لوبان هذه الخطوة بمثابة محاولة لتهميشها ومنح الأفضلية لشخصيات مثل بارديلا، الذي يُنظر إليه كأكثر ليبرالية على الصعيد الاقتصادي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *