
دفعت تلميحات أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي بأن أموال دافعي الضرائب الأمريكيين ربما استخدمت لتمويل الجماعات الإرهابية، بما في ذلك بوكو حرام، المشرعين النيجيريين إلى إصدار أمر بالتحقيق في أنشطة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) في البلاد.
ورغم تأكيدات السفير الأمريكي في نيجيريا، ريتشارد ميلز، الذي قال إنه “لا يوجد دليل على أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تمول جماعة بوكو حرام أو أي جماعة إرهابية أخرى في نيجيريا”، يبدو أن المشرعين النيجيريين عازمون على التحقيق.
أوضحت مجلة “ريسبونسبل ستيت كرافت” أن التحقيق في عملية مكافحة الإرهاب التي شنتها نيجيريا أصبح أمرًا مستحقًا منذ فترة طويلة، فمنذ عام 2009، ومع صعود جماعة بوكو حرام في نيجيريا، تدفقت مليارات الدولارات إلى شمال شرق البلاد، بهدف مساعدة جماعات الإغاثة التي تقدم الإغاثة الإنسانية الحيوية للمدنيين المحاصرين في ظل المشهد الأمني المتدهور.
وأضافت، في تقرير نشرته الثلاثاء 4 مارس 2025، أن هذه المساعدات الحيوية توقفت بسبب قرار واشنطن بتجميد المساعدات الخارجية لمدة 90 يومًا، ووفقًا للأمم المتحدة، هناك حاجة إلى مبلغ إجمالي قدره 910 ملايين دولار هذا العام وحده للاستجابة للاحتياجات الإنسانية لـ 3.6 مليون شخص في ولايات بورنو وأداماوا ويوبي في شمال شرق نيجيريا.
وذكرت أن هذه المرة لن تكون الأولى التي تُسمع فيها اتهامات من هذا النوع، ولكن ما يختلف هذه المرة هو أن الضجة الحالية تهدد بتشتيت الانتباه عن المشكلة الحقيقية، الممثلة في حرب نيجيريا ضد بوكو حرام، فعلى مر السنين، أصبح الجيش النيجيري عاجزًا بشكل متزايد عن التعامل مع المرونة غير العادية التي يتمتع بها التمرد.
نقلت المجلة عن الجنرال كريستوفر موسى، رئيس أركان الدفاع النيجيري، قوله: “في الوقت الذي نتحدث فيه، استسلم أكثر من 120 ألف عنصر من جماعة بوكو حرام، ومعظمهم جاءوا من خارج البلاد معهم عملة صعبة، كيف حصلوا عليها؟ وكيف يتم تمويلهم؟ كيف تمكنوا من التدريب والاستمرار لمدة 15 عامًا؟ هذا هو السؤال الذي أعتقد أن الجميع يجب أن يسألوه لأنفسهم”.
هذه أسئلة صعبة يزعم الجيش وأجهزة الاستخبارات النيجيرية أنها لا تملك أي وسيلة للإجابة عليها، ولذلك أصبحت جماعات الإغاثة كبش فداء سهل، ففي أكتوبر 2019، حظر الجيش النيجيري على منظمتين غير حكوميتين، منظمة العمل ضد الجوع ومنظمة ميرسي كوربس، تقديم الخدمات الإنسانية في شمال شرق البلاد، متهما إياهما بالعمل مع بوكو حرام.
ذكرت المجلة أنه منذ بدء القتال في 2009، قُتل نحو 35 ألف شخص، ونزح 2.5 مليون شخص من منازلهم، وفر 230 ألف آخرين إلى تشاد والكاميرون والنيجر المجاورة، وكثيرًا ما وقع عمال الإغاثة أنفسهم في مرمى النيران المتبادلة، حيث قُتل 37 منهم منذ 2009. وفي عام 2018، اضطرت منظمة أطباء بلا حدود إلى وقف عملياتها لفترة وجيزة عندما أسفرت هجمات شنها مقاتلو بوكو حرام على قاعدة عسكرية في ولاية بورنو عن مقتل 3 عمال إغاثة على الأقل.
ويبدو أن هناك أدلة كثيرة، يعود تاريخها إلى 2014، تشير إلى مصادر تمويل بوكو حرام، التي سيطرت على 22 من أصل 27 منطقة حكومية محلية في ولاية بورنو في خلافتها الإسلامية المزعومة، وقد أوضحت العديد من التقارير أن الجماعة الإرهابية موَّلت عملياتها بالابتزاز والتبرعات الخيرية والتهريب والتحويلات المالية والاختطاف، بينما استغلت أيضًا سيطرتها على طرق التجارة القديمة عبر الصحراء الكبرى لفرض الرسوم على السكان الريفيين.
وأضافت أن بوكو حرام أنشأت نظامًا بيئيًا شبه اقتصادي تتمكن من خلاله من توليد دخل كبير من فرض الضرائب على الأنشطة الزراعية، بما في ذلك صيد الأسماك وتربية الماشية، كما تتمكن الجماعة من استخدام طرق التهريب والتجارة القديمة عبر منطقة الساحل لاستيراد الأسلحة والمرتزقة لدعم أنشطتها.
أوضحت المجلة أن المساعدات العسكرية الأمريكية لم تكن أكثر فعالية، فمنذ صنفت الولايات المتحدة جماعة بوكو حرام وجماعة “أنصار الإسلام”، كمنظمات إرهابية أجنبية في 2013، زاد الدعم الأمريكي للجيش النيجيري بشكل كبير، ففي الفترة من 2016 إلى 2020، أنفقت واشنطن ما لا يقل عن 1.8 مليون دولار في التمويل العسكري الأجنبي لدعم الأمن البحري النيجيري، وجهود مكافحة الإرهاب.
ورغم ذلك، فإن استمرار جماعة بوكو حرام وتنظيم داعش يشير إلى أزمة أكبر، والمتمثلة في الحالة الاجتماعية والاقتصادية المزرية في مناطق شمال شرق البلاد والساحل، والتي توفر جيشًا جاهزًا للتجنيد في صفوف الجماعة، وتركت مساحات شاسعة غير خاضعة للحكم للجماعات المنشقة لتزدهر فيها.
وعلى الصعيد العملي، عانت قوة المهام المشتركة المتعددة الجنسيات، والتي تضم وحدات عسكرية من بنين والكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا، من ثغرات تشغيلية متكررة، ومنذ 2015، نفذت قوة المهام المشتركة المتعددة الجنسيات 6 عمليات كبيرة، ومع ذلك، كانت العديد منها قصيرة ولم تستمر لفترة كافية لاستئصال الإرهابيين أو تفريقهم تمامًا.