
تعاني أوروبا في الفترة الأخيرة من تحديات اقتصادية كبيرة تمثلت في ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، وهما عاملان يعصفان بالاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في العديد من دول القارة.
بحسب صحيفة “الجارديان البريطانية” في تقرير لها نشر الثلاثاء 22 أكتوبر 2024، فإن هذه المشكلات الاقتصادية نتجت عن مجموعة من العوامل المتداخلة، من بينها تأثيرات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، إضافة إلى السياسات المالية والنقدية المتبعة في المنطقة.
نتائج الجائحة والحرب
البطالة كانت دائمًا مصدر قلق في بعض دول أوروبا، ولكن الأزمة تفاقمت بعد جائحة كورونا، فقد أدت إجراءات الإغلاق التي فُرضت للحد من انتشار الفيروس إلى توقف العديد من القطاعات الحيوية مثل السياحة والخدمات، مما تسبب في فقدان الملايين من الوظائف، ورغم أن العديد من الحكومات الأوروبية اعتمدت برامج لدعم الأجور والمساعدات الحكومية لتخفيف الضغوط على العمال، إلا أن العودة إلى مستويات التوظيف قبل الجائحة لا تزال بعيدة.
مع انتهاء الجائحة، كانت التوقعات تشير إلى تعافٍ اقتصادي سريع، ولكن اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية جاء ليزيد من تعقيد المشهد، تسببت الحرب في اضطرابات كبيرة في أسواق الطاقة والغذاء، مما أثر بشكل غير مباشر على التوظيف، فعلى سبيل المثال، ارتفاع أسعار الطاقة دفع العديد من الشركات إلى تقليص عملياتها أو إغلاقها تمامًا، مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة في بعض الدول الأوروبية.
دول جنوب أوروبا مثل إسبانيا وإيطاليا تعاني من بطالة عالية تقليديًا، وقد ازدادت التحديات في هذه الدول بشكل خاص، حيث تضررت السياحة بشكل كبير من القيود المفروضة خلال الجائحة، والآن تعاني هذه الدول من بطء في التعافي بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة وضعف الطلب العالمي.
تأثيرات الطاقة والغذاء
إلى جانب البطالة، تواجه أوروبا معدلات تضخم مرتفعة لم تشهدها منذ عقود، التضخم، الذي يمثل الزيادة المستمرة في أسعار السلع والخدمات، ارتفع بشكل ملحوظ في العامين الأخيرين بسبب مجموعة من العوامل المتشابكة. الحرب الروسية الأوكرانية كانت المحرك الأساسي لارتفاع الأسعار، حيث تسبب الصراع في قطع إمدادات الغاز الطبيعي والنفط عن العديد من الدول الأوروبية، ما أدى إلى ارتفاع حاد في تكاليف الطاقة.
ارتفاع أسعار الطاقة أثر على كافة جوانب الاقتصاد الأوروبي. حيث ارتفعت تكاليف الإنتاج في مختلف القطاعات، مما أدى إلى زيادة أسعار السلع الاستهلاكية مثل الغذاء والملابس والخدمات الأساسية، هذه الزيادات في الأسعار لم تقابلها زيادة مماثلة في الأجور، مما أدى إلى انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين الأوروبيين وزيادة شعورهم بالضغوط المالية.
كما تأثرت أسعار المواد الغذائية نتيجة تعطل سلاسل الإمداد العالمية وانخفاض إنتاج الحبوب في أوكرانيا، التي تعد من أكبر منتجي الحبوب في العالم. هذا الأمر أثر بشكل خاص على الدول الأوروبية التي تعتمد على واردات الحبوب من المنطقة.
التحديات السياسية والاجتماعية
تفاقم هذه الأزمات الاقتصادية أدى إلى تأثيرات اجتماعية وسياسية كبيرة، ارتفاع معدلات البطالة والتضخم أوجد حالة من الاستياء الشعبي، حيث تشهد بعض الدول الأوروبية احتجاجات ومظاهرات تطالب بزيادة الأجور وتخفيف الضغوط المعيشية.
في فرنسا وألمانيا، تزايدت الدعوات الحكومية إلى التدخل للحد من تأثيرات التضخم، إلا أن الحلول المتاحة تبدو محدودة في ظل تعقيد المشهد الاقتصادي العالمي.
على المستوى السياسي، يشكل التضخم والبطالة تحديات كبيرة للحكومات الأوروبية. فالضغوط المتزايدة على المواطنين تهدد بتقويض الدعم السياسي للحكومات الحالية، وقد تؤدي إلى صعود تيارات سياسية جديدة تسعى لتقديم حلول راديكالية للمشكلات الاقتصادية.
الاستجابة الأوروبية والتوقعات المستقبلية
في مواجهة هذه التحديات، تحاول الدول الأوروبية التنسيق فيما بينها ومع البنك المركزي الأوروبي لإيجاد حلول مستدامة، البنك المركزي الأوروبي بدأ بالفعل في رفع أسعار الفائدة لكبح التضخم، لكن هذه السياسة قد تؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة البطالة على المدى القصير.
التوقعات تشير إلى أن أوروبا قد تكون بحاجة إلى وقت طويل للتعافي من هذه الأزمات المزدوجة، خصوصًا إذا استمرت الحرب في أوكرانيا وازدادت التوترات في أسواق الطاقة، ومع ذلك، فإن التركيز على سياسات دعم الابتكار والتحول نحو الطاقة المتجددة قد يسهم في تخفيف الاعتماد على الواردات من الخارج وتحقيق نمو اقتصادي مستدام على المدى البعيد.