ما الأسباب وراء استهداف إسرائيل جمعية “القرض الحسن”

استهدفت القوات الإسرائيلية الأحد الماضي بغاراتها الجوية عدة فروع ومكاتب لجمعية “القرض الحسن” الخيرية في بيروت ومناطق أخرى من لبنان. وتتهم تل أبيب تلك الجمعية بتمويل حزب الله في لبنان ماليًا. على مدار أربعين عاما، تخصصت هذه الجمعية التي تقدم نفسها كمنظمة خيرية في تقديم القروض الصغيرة للمحتاجين. 

لكن نشاطاتها تنوعت ونمت  بصورة خاصة بعد انهيار البنوك اللبنانية في عام 2019.دمرت الانفجارات الناتجة عن الاستهدافات الإسرائيلية الجوية المباني التي تضم مكاتب وفروع جمعية “القرض الحسن” الخيرية في الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق أخرى مثل صور وسهل البقاع، كان ذلك تحديدا في 20 تشرين الأول/أكتوبر. تُطبق هذه المؤسسة المالية الخيرية قواعد الاقتصاد الإسلامي، حيث تقدم قروضا بدون فوائد. تعتبر بعض الدول هذه المؤسسة الذراع الاقتصادية لحزب الله ووضعتها الحكومة الأمريكية تحت طائلة العقوبات منذ عدة سنوات.

على موقع إكس نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي تغريدة تتهم هذه الجمعية بتمويل حزب الله، وقال فيها “القرض الحسن متورطة في تمويل عمليات

وبحسب الباحث ديدييه ليروي من المدرسة العسكرية الملكية البلجيكية، فإن إسرائيل تسعى لدحض خطاب حزب الله الذي طالما وصف إسرائيل بـ”شبكة العنكبوت” الهشة. “أولاً عن طريق تفجير أجهزة الاتصالات، ثم عبر ضربات قوية على مخازن الأسلحة وبعض العمليات البرية على الحدود، وأيضاً عبر استهداف قيادات الحزب”.

حزب الله الإرهابية، بما في ذلك شراء المعدات القتالية ودفع رواتب الأعضاء العسكريين”.

هذه المرة، استهدفت إسرائيل مؤسسة مدنية تابعة لحزب الله. ويعتقد جوزيف ظاهر، أستاذ زائر في جامعة لوزان السويسرية، أن الحكومة الإسرائيلية تهدف إلى ربط الجناحين المدني والعسكري للحزب، مما يعطيها مبررًا لشن هذه الهجمات. وقد لجأت بالفعل لهذه الممارسات خلال حرب تموز 2006. والفكرة وراء ذلك، وفقًا لأوريلي ظاهر، الباحثة في جامعة باريس دوفين، هي تدمير كل مؤسسات حزب الله.

ماليّة إسلاميّة

تأسست جمعية “القرض الحسن” عام 1983، وهي تمنح آلاف العملاء قروضا بمبالغ صغيرة ذات قدر متوسط يبلغ 2,500 دولار (حوالي 2,300 يورو) وذلك مقابل الذهب. 

“نمنح القروض الصغيرة بدون فوائد، بحد أقصى 5,000 دولار، لتلبية احتياجات مختلفة مثل الزواج أو تمويل مشروع أو احتياجات شخصية”، حسبما صرح المدير التنفيذي للجمعية، عادل منصور، في مقابلة مع مجلة “لو كوميرس دو لوفانت” الاقتصادية في عام 2020.

وخلافا للبنوك التقليدية، لا تفرض “القرض الحسن” فوائد على القروض، وهو ما يتماشى مع مبادئ الاقتصاد الإسلامي الذي يحظر الربا. ورغم أن إيران ساعدت في تأسيسها في ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن الجمعية باتت الآن تعتمد على التمويل الذاتي، خاصة من أفراد المجتمع الشيعي اللبناني.

“القرض الحسن” مسجلة لدى وزارة الداخلية كجمعية خيرية وتعاونية تضامنية، وليست كبنك تجاري ربحي. ومع ذلك، أصبحت لاعبا رئيسيا في الحياة الاقتصادية اللبنانية في السنوات الأخيرة، وخاصة داخل مجتمع الشيعة اللبنانيين. في عام 2019، كان لديها 486 ألف مساهم وعضو، وادعت أنها منحت مليوني قرض منذ عام 1983، بقيمة إجمالية قدرها 4.3 مليار دولار. 

وأوضحت الباحثة أوريلي ظاهر أنه “في البداية، كانت ‘القرض الحسن’ تقدم قروضًا بدون فوائد لبدء مشاريع صغيرة، مثل تمويل تدريب أو شراء ماكينة خياطة”. 

أزمة مالية دعمت المؤسسة

ساهم انهيار النظام المصرفي اللبناني خلال الأزمة المالية في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 في زيادة شعبية الجمعية. في ذلك الوقت، تم منع أربعة ملايين لبناني من الوصول إلى أموالهم في البنوك، بسبب ديون الدولة اللبنانية الهائلة. “فرضت البنوك اللبنانية سيطرة رأس المال، وأصبح سحب الأموال محدودًا للغاية. في الوقت نفسه، أصبحت الاقتصاديات تعتمد أكثر على التعاملات النقدية، مما زاد من نفوذ حزب الله الذي ينشط في شبكات اقتصادية غير رسمية وغير مشروعة. عند إيداعك الذهب لدى ‘القرض الحسن’، يمكنك الحصول على السيولة مباشرة”، يشرح جوزيف ظاهر. “منذ الأزمة المالية، توسعت استخدامات الجمعية بشكل كبير، حيث أصبحت تمنح العديد من القروض الاستهلاكية للبنانيين الذين لم يعودوا قادرين على دفع نفقات المعيشة أو رسوم المدارس لأطفالهم”، تضيف أوريلي ظاهر. “بالإضافة إلى ذلك، فقد اللبنانيون الثقة في النظام المصرفي الذي أصبح من الصعب للغاية سحب الأموال منه”.

 

مع نظامها المعتمد على الودائع الذهبية، أصبحت جمعية “القرض الحسن” ملاذا آمنا للعديد من اللبنانيين الذين تراجعت قوتهم الشرائية. وفي هذا السياق، صرح عادل منصور متفاخرا في عام 2020 “يعلم مودعونا أن أموالهم لن تختفي كما حدث في البنوك اللبنانية. لقد تضاعفت قيمة ودائعنا منذ عام 2019!”.

العقوبات الدولية

على مستوى الدول الغربية، تعتبر هذه الفروع كمصادر تمويل للإرهاب الإسلامي. منذ عام 2007، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على “القرض الحسن”، حيث جمدت أصولها. في عام 2021، استُهدفت شخصيات مرتبطة بالمؤسسة مجددا. ووفقا لوزارة الخزانة الأمريكية فإن حزب الله “يستخدم هذه الجمعية كغطاء لإدارة أنشطته المالية والوصول إلى النظام المالي الدولي”.

في نهاية عام 2020، قامت مجموعة هاكرز تدعى ” سبيدرز ” باختراق بيانات “القرض الحسن” وكشفت عن هويات آلاف العملاء، معظمهم من اللبنانيين المقيمين في الخارج ومؤسسات إيرانية. قال القراصنة إن”المافيات والميليشيات والأموال تحكم لبنان اليوم”. 

“القرض الحسن ليست جمعية خيرية، بل هي بنك حزب الله خارج النظام المالي اللبناني الرسمي”. رغم هذه الانتقادات، يرى بعض الخبراء أن قصف هذه الفروع لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان: “إسرائيل تستهدف ‘القرض الحسن’ كجزء من استراتيجيتها لإفقار الشعب اللبناني الذي يعاني بالفعل” وفق تقدير خبيرة حزب الله أمل سعد على موقع إكس.

 لويس شاهونيو

اقتبسته للعربية صبرا المنصر

المصدر: فرانس 24

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *