لبنان تحقق في استخدام اسلحة محرمة دولياً

مع تزايد التكهنات بشأن استخدام إسرائيل قنابل تحتوي على اليورانيوم المنضّب في قصفها على لبنان، كشفت الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، لـ”الشرق”، عن أخذِها عينات من موقعين تعرضا للقصف الجوي الإسرائيلي، لكنها فضلت “التريث”، قبل إطلاق حُكمها، بانتظار ظهور النتيجة القاطعة للعينات.

التريث الرسمي، يأتي بعد أيام من اعتبار نقابة الكيميائيين في لبنان أن “حجم الدمار واختراق المباني والأرض لعشرات الأمتار دليل على استخدام القنابل التي تحتوي على اليورانيوم المُنضَّب”، وهو مؤشر يتطابق مع رأيين لخبيرين غربيين مستقليّن، تحدثت إليهما “الشرق”، واستندا فيهما إلى نوع الأسلحة الأميركية، BLU137/B وغيرها من الصواريخ النوعية، التي استخدمتها إسرائيل في استهداف مناطق الضاحية الجنوبية، وتحوي أغلفتها، إلى جانب العبوة المتفجرة في داخلها، مزيج من المتفجرات واليورانيوم المنضّب، إلى جانب طبيعة الانفجارات، ولون الدُخان المتصاعد منها.

وفي تصريحات لـ”الشرق”، قال مدير الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، بلال نصولي، وهو أعلى مرجع لبناني رسمي علمي في هذا الملف، إن الهيئة “تمكنت مؤخراً برفقة فوج الهندسة التابع للجيش اللبناني من الوصول إلى موقعين مشبوهين لأخذ العينات، من بينهما موقع استهداف أمين عام حزب الله حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، لكن النتائج الأولية لتقاريرها تحتاج لأيام عدة”.

وأضاف نصولي خلال حديثه لـ”الشرق”، عبر الهاتف، أن هذه ستكون “نتيجة شبه نهائية، يجب تدعيمها بعينات إضافية من مواقع أخرى”، مشيراً إلى أن إسرائيل تضرب طوقاً نارياً لمنع الوصول إلى مواقع أخرى مهمة في الضاحية، لا سيما المكان الذي أعلنت فيه اغتيال هاشم صفي الدين رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله الذي كان المرشح الأبرز لخلافة الزعيم السابق للجماعة.

قصف بالفوسفور ومتفجرات “غير اعتيادية”

بلال نصولي أكد أن الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، رصدت “استخداماً واسع النطاق للفوسفور الأبيض في الجنوب والبقاع بكميات هائلة”، لافتاً إلى أن إسرائيل اعترفت باستخدام قنابل مضادة للتحصينات، وهذا النوع من القنابل قد يحوي على اليورانيوم المنضّب، الذي يُستخدم عادة في الأسلحة المضادة للدروع، لا للتحصينات”.

وأشار إلى أن أبحاث الهيئة بالشراكة مع الجيش اللبناني، توصّلت إلى معرفة نوع المتفجرات “غير الاعتيادية والمبهمة” التي استخدمت في عملية “تفجيرات البيجر” في 17 سبتمبر الماضي، واصفاً العبوة بأنها “خليط لا ينتهي” من المتفجرات شديدة الفعالية.

وذكر نصولي أن إسرائيل تُجرب أنواعاً جديدة من الأسلحة في لبنان، من بينها صواريخ موضعية الأثر، تحوي على شيفرات حادة قادرة على تصفية شخص بعينه، حتى لو كان رفقة آخرين داخل السيارة الواحدة، مثل محاولة اغتيال بمسيّرة إسرائيلية وقعت في منطقة الكحالة في 26 سبتمبر الماضي.

ورأى مدير الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، أن التركيز على اليورانيوم المنضّب وحده، يحجب الرؤية عن أنواع قد لا تقل خطورة تدخل في تركيبة هذه الأسلحة، منتقداً في الوقت نفسه طريقة عمل باحثين مستقلين عملوا في السابق على إجراء اختبارات مستقلة في جنوب لبنان بعد حرب عام 2006، من بينهم الاسكتلندي، داي ويليامز، الذي اعتقد أن العودة إلى تحليل الأسلحة المستخدمة في الحرب، قد تكون أدلة كافية لإدانة إسرائيل باستخدام أسلحة تحوي يورانيوم منضّب على نطاق واسع في لبنان وقطاع غزة، إضافة إلى باحثين آخرين يسترشدون بألوان المتفجرات لمعرفة محتواها الكيميائي.

وربط نصولي انتقاده لهؤلاء الباحثين المستقلين، بأنهم دخلوا إلى لبنان، في تلك الفترة، بصفة فردية، وأخذوا عينات دون العودة إلى المؤسسات الرسمية اللبنانية، ولم يشاركوا أجزاءً من هذه العينات مع قيادة الجيش اللبناني، أو الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، لكي يوافق عليها الأطراف الثلاثة، ويتم العمل على تحليل مشترك للوصول إلى نتائج موحدة.

وأشار إلى أنه كمرجعية رسمية، ليس ملزماً بأن يستند إلى بحث لم يتم إطلاعه على حيثياته، أو إجراءاته، ولا يعرف نوعية المعدات التي أجريت فيه، معتبراً أن هؤلاء الباحثين، “استغلوا هذه الأبحاث في لبنان، لدواعٍ شخصية من أجل التسويق، مع العلم، أنهم، أجروا أبحاثاً مماثلة في العراق، وأفغانستان”.

حذر لبناني واستعدادات لتقديم شكوى ضد إسرائيل

وتتجه السلطات اللبنانية إلى التعاطي بحذر شديد مع التكهنات بخصوص استخدام إسرائيل لقنابل تحتوي على اليورانيوم المنضّب في قصف لبنان، في انتظار النتائج التي أشار إليها مدير الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية.

وفي السياق نفسه، أصدرت وزارة الصحة اللبنانية، في العاشر من أكتوبر الجاري، بياناً شددت فيه على ضرورة “توخي الدقة في تبني معلومات علمية والتسرع في نشرها دون التحقق من صحتها، داعيةً إلى مراجعة الجهات المعنية حرصاً على صدقية المعلومات المتداولة وعدم التشكيك بها.

ومن جانب آخر، كشفت الوزارة أن لبنان بصدد التقدم بشكوى ضد إسرائيل بتهمة استخدام الأسلحة المحرمة دولياً، وذلك “بناء على معلومات موثقة ومؤكدة”، حسبما أكدت.

لكن نقابة الكيميائيين في لبنان، كانت أكثر اندفاعاً بخصوص دلائل استخدام إسرائيل أسلحة تحتوي على اليورانيوم المنضّب، فأصدرت بياناً اعتبرت فيه “أنَّ حجم الدمار واختراق المباني والأرض لعشرات الأمتار يُثبت أن “القنابل التي تضربها إسرائيل على لبنان تحتوي على اليورانيوم المُنضَّب Depleted Uranium الّذي يتمتَّع بقوّة اختراق هائلة”.

وأشارت النقابة إلى أن استخدام هذه الأنواع من الأسلحة المحرَّمة دولياً، وخصوصاً في العاصمة بيروت المكتظَّة بالسكان، “يؤدّي إلى دمار هائل، فضلاً عن أن غبارها يتسبَّب بالعديد من الأمراض، خاصة عند استنشاقه”.

اليورانيوم المنضّب في الحرب على لبنان وغزة

ووفق وكالة “رويترز”، فقد تم تحميل 14 ألف قنبلة من النوع الثقيل من الولايات المتحدة إلى إسرائيل قبل وبعد 7 أكتوبر 2023.

وفي حديث لـ”الشرق”، أكد داي ويليامز الباحث المستقل في علم الأسلحة والأخصائي في علم النفس المهني، أن “ما تم استخدامه في غزة ولبنان، لا سيما الجيل الثالث من الأسلحة الأميركية BLU137/B، وغيرها من الصواريخ النوعية، توصف بأنها قنبلة داخل قنبلة، إذ تحوي أغلفتها، إلى جانب العبوة المتفجرة في داخلها، على مزيج من المتفجرات واليورانيوم المنضّب”.

أنواع القنابل المستخدمة

يوثق تقرير صادر عن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، في 19 يونيو الماضي، تحت عنوان “تقرير موضوعي.. الهجمات العشوائية وغير المتناسبة أثناء الصراع في غزة”، استخدام إسرائيل لصواريخ من طرازات GBI-31s، وGBU-32s، وGBU-39s، وGBU-31 في مواقع عديدة، من بينها مخيم جباليا بشمال غزة في 31 أكتوبر 2023، ومخيم البريج في 2 نوفمبر من العام نفسه، وغيرها من المواقع.

وتُعرَّف القنابل الموجهة، بحسب التقرير، أنها “غالباً ما يُشار إليها باسم وحدات القنابل الموجهة، أو GBU، عندما تكون مزوّدة بنظام تحديد المواقع العالمي الدقيق GPS، ومعدات الطيران، وهي ذخائر كبيرة وثقيلة للغاية يمكن إسقاطها من الجو لاختراق طبقات عدة من الخرسانة. كما يمكن برمجة ذخيرتها أو توجيهها مباشرة إلى الهدف بدرجة عالية جداً من الدقة”.

ويبلغ الوزن الإجمالي للقنبلة (GBU-31 (MK84، ما يصل إلى 907 كيلوجرامات (2000 رطل)، في حين تُقدر كمية المتفجرات الصافية فيها بـ429 كيلو جراماً.أما القنبلة (GBU-32 (Mk83، فوزنها 453 كيلو جراماً (1000 رطل)، وكمية المتفجرات الصافية فيها 202 كيلو جرام. في حين، يصل وزن GBU-39 إلى 110 كيلو جرامات (250 رطلاً)، بكمية متفجرات صافية منخفضة مصممة لاستهداف أكثر تحديداً.

قرار سياسي من نيويورك

الأسترالي كريس سيدوتي، عضو لجنة تقصي الحقائق الخاصة بالأراضي الفلسطينية المحتلة، قال لـ”الشرق”، إن اللجنة سبق وحذّرت من استخدام أسلحة شديدة القوة التدميرية في غزة، لافتاً إلى أنها “تلقت طلباً محدداً من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في مارس من العام الجاري لفحص تجارة الأسلحة وتوريدها إلى إسرائيل، لكن لم تتمكن حتى الآن من بدء هذه المرحلة”، وذلك بانتظار تأمين الموارد المالية اللازمة التي تنتظر قراراً سياسياً من نيويورك (الأمم المتحدة).

وأضاف سيدوتي، الذي كانت يتحدث من جنيف “نعلم أن هناك سياسات تتحكم بتوفير الموارد لهذه اللجنة للتحقيق، لكن يجب التغلب على هذه السياسات، ومن المؤكد أننا نتوقع أن تحترم لجان الآليات السياسية التابعة للأمم المتحدة في نيويورك القرارات التي يتخذها مجلس حقوق الإنسان في جنيف”.

بدوره، أكد الباحث داي ويليامز لـ”الشرق”، أن العام 2018 شهد قفزة في صناعة الصواريخ الأميركية، إذ “تم تزويد الرأس الحربي المعروف بـ AUP 116  بنظام توجيه مختلف أطلق عليه اسم DJAM، لكنه يظل قنبلة داخل قنبلة، تزن 900 كيلوجرام، بغلاف صلب يزن ما يقارب 750 كيلوجراماً، يحتوي على مزيج من اليورانيوم غير المنضّب، إضافة إلى المتفجرات. وأحدث نسخة من هذه الصواريخ تعرف باسم BLU 137/B”.

القنابل التي استهدفت نصر الله

في تقرير نُشر في 29 سبتمبر الماضي، حدّدت “واشنطن بوست” استخدام إسرائيل لقنابل BLU 109/B الخارقة للتحصينات في هجوم بيروت على مقر زعيم حزب الله حسن نصر الله في 27 سبتمبر الماضي.

ويرى الباحث داي ويليامز، أن الفيديو الذي أرفقته الصحيفة الأميركية في التقرير، أظهر النسخة الجديدة من الرؤوس الحربية من طراز BLU 137/B، التي سبق ونشر موقع Defense Post صورة عنها في عام 2018، تتطابق مع مقطع فيديو للجيش الإسرائيلي.

ومع اختلاف التقديرات بشأن عدد الرؤوس الحربية المستخدمة في عملية اغتيال نصر الله، يعتقد ويليامز أن “8 رؤوس حربية (من طائرتين تحملان 4 رؤوس حربية لكل منهما كما في الفيديو) قد تكون استخدمت في هذه العملية، وتتطابق كُرات النار البرتقالية المميزة والدخان الرمادي الداكن الكثيف في الغالب مع العديد من صور الأخبار الأخرى لقنابل خارقة للتحصينات المستخدمة في العراق وأفغانستان ولبنان وغزة.

وبحسب الخبير نفسه، فإن “الرؤوس الحربية الثمانية تشتمل على أكثر من 750 كيلو جراماً من معدن كثيف سرّي لكل منها، أي ما نتاجه 6 أطنان من أكسيد اليورانيوم. وقد تحتوي المادة المتفجرة أيضاً على يورانيوم منخفض التخصيب”.

وبالعودة إلى تصريحات نقلت عن اثنين من المسؤولين الأميركيين المطلعَين على قائمة محدّثة لشحنات الأسلحة التي أرسلت إلى إسرائيل، أكد روبرت جايمس بارسونز الباحث الأميركي في شؤون الأسلحة، لـ”الشرق”، أن “ما لا يقل عن 14 ألف قنبلة من طراز MK-84 يبلغ وزنها 2000 رطل، و6500 قنبلة بوزن 500 رطل، و3000 صاروخ جو-أرض موجه بدقة من طراز Hellfire، و1000 قنبلة خارقة للتحصينات، و2600 قنبلة صغيرة القطر يتم إسقاطها جواً، وذخائر أخرى، أرسلت بالفعل إلى إسرائيل”.

قنابل MK 84

وبعد تتبّع مصادر الأسلحة وأماكن تصنيعها، رغم حجب هذه المعلومات عن المواقع الرسمية الأميركية مثل موقع وزارة الدفاع “البنتاجون”، يؤكد روبرت بارسونز أن “قنابل MK 84 التي تزن 900 كيلو جرام تم رصد استخدامها مؤخراً في استهداف عدد من مناطق الضاحية الجنوبية لبيروت، كما في مواقع أخرى بقطاع غزة، وهي تتألف من عنصرين أساسيين، غلاف يزن نحو 496 كيلوجراماً، 97% منه من جزيئياتِ اليورانيوم المنخفضِ التخصيب، وحمولة متفجرة تزن 429 كيلوجراماً”.

ويُشير تقرير حديث نشره موقع المعهد البحري الأميركي، إلى أن إسرائيل استهدفت في عمليتها على مقر الأمين العام لـ”حزب الله”، “مبان شاهقة ذات أقبية، وربما مخابئ تحتها، ولذلك فإن استخدام قنابل GBU-31(v)3s أمر منطقي كأسلحة هجومية أساسية، إذا يمكن ضبط إعداداتها بدقة متناهية، كما ضبط الصمام الإلكتروني للقنابل الخارقة للتحصينات لفترة طويلة. وعند دمجها مع جسم القنبلة المقوّى، يسمح هذا للسلاح باختراق قلب المبنى قبل الانفجار حتى داخل الغرف، بحيث يُمكن للضرر المتفجر أن يدمر الهدف”.

وبحسب تقرير أصدرته القيادة المركزية للقوات الجوية الأميركية عن غزو العراق في عام 2003، استخدمت الطائرات الأميركية 24 قنبلة خارقة للتحصينات من طراز F 24 GBU-24 and GBU-28، تزن 4000 رطل خلال الصراع بأكمله ضد الجيش العراقي. وأسقطت إسرائيل ما يصل إلى 3 أضعاف هذا العدد من الأسلحة خلال ليلة واحدة.

دليل استخدام اليورانيوم في غزة ولبنان

المواقع الأميركية المتخصصة، تؤكد أن انفجاراً من هذا النوع من القنابل، يُطلق كميات كبيرة من المواد المُشعة، فيما يتقاطع شرح دي ويليامز، مع ما يقوله بارسونز بأنه “عندما تنفجر هذه الجزئيات يُمكن ملاحظة شعاع قوي برتقالي اللون يميل إلى الأصفر، ونرى شرارات صغيرة فضية تتطاير وتلمع. كما يمكن ملاحظة الدخان الأسود، وتصاعد الغيمة الداكنة الضخمة، ومن ثم تتساقط الجزئيات عندما تبرد فتكون على شكل فقاعة”.

ويتوقع بارسونز في ما يتعلق بغزة ولبنان، تسجيل حالات مماثلة في السنوات المقبلة، واصفاً القطاع الفلسطيني بأنه منطقة موبوءة، أسوة ببقعة التجارب النووية في ولاية إنديانا في الولايات المتحدة، والتي اضطر الجيش الأميركي لإغلاقها، لكنه نبّه من أن “ضرر” غزة لن يبقى محصوراً داخلها، فمخلفات وغبار هذه الأطنان من المتفجرات تتحرك بفعل تيارات الرياح من مكان إلى آخر، ومنطقياً ستصل إلى إسرائيل أيضاً بكميات كبيرة، ولهذا يجب وضع دراسات مخبرية دقيقة لتقييم حجم الانتشار والضرر في كل الدول المحيطة”.

ويعتبر الباحث الأميركي في شؤون الأسلحة، أن خطر استخدام المخلفات النووية على شكل يورانيوم منضّب في الأسلحة قد لا يكون مقتصراً على إسرائيل، فالصواريخ التي أطلقها “حزب الله” على مقر الموساد (قرب تل أبيب) باستخدام صواريخ ثقيلة تُعد رسالة إلى إسرائيل مفادها أن لدى الحزب وإيران أيضاً ما يسبب ضرراً قادراً على خرق التحصينات، والتسبب بانفجارات على عمق يزيد عن 10 أمتار، رغم أنه لا يوجد حتى الآن ما يؤكد احتواء تلك الصواريخ على جزيئات اليورانيوم أم لا.

إسرائيل تعرقل لجان التحقيق

في ضوء استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة وسيطرتها على معظم القطاع، لم تتمكن أي من المنظمات المحلية المعنية، ولا المنظمات الدولية والأممية من إجراء تحقيق ميداني علمي يُوثق ويُحقق في أنواع الأسلحة المستخدمة هناك.

وفي هذا السياق، أشار شعوان جبارين، المدير العام لمؤسسة “الحق” الفلسطينية، في حديث لـ”الشرق”، إلى أن “إسرائيل منعت لجان التحقيق والمنظمات الدولية من الوصول إلى الأراضي المحتلة بشكل ممنهج، وبالتالي تعذر القيام برفع عينات أو إجراء أبحاث وازنة، ولم يعلن حتى الآن عن أي من هذه الدراسات في ما لو أنجزت بالفعل”.

ورغم ضآلة المعلومات، يرى جبارين أن تصنيف الأسلحة، حتى وإن كانت غير محرمة دولياً أو مشمولة بالحظر في القانون الدولي، يختلف جذرياً إذا ما تم استخدامها على مناطق مكتظة بالمدنيين.

وتُعتبر الذخائر التي تحتوي على الفوسفور الأبيض الذي سجلت “هيومن رايتس ووتش” استخدامها من قبل إسرائيل في غزة ولبنان بتاريخ 10 و11 أكتوبر 2023 فوق ميناء مدينة غزة وعلى موقعين في جنوب لبنان، أسلحة حارقة يلزم القانون الإنساني الدولي العرفي البلدان باتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب استخدامها. كما يمكن ربط هذا النوع من الأسلحة بانبعاث روائح غريبة بعد العمليات العسكرية.

وفي هذا السياق، أكدت رئيسة نقابة الممرضات في لبنان، عبير كردي علامة، لـ”الشرق”، أن السكان لاحظوا هذه الروائح الغريبة بالفعل، لا سيما بعد الضربات الجوية التي استهدفت مقراً صحياً في منطقة الباشورة بوسط بيروت في 3 أكتوبر الجاري، لكن دون التمكن من تحديد أسباب هذه الانبعاثات وما تحويه القنابل من مواد، في حين توجّهت رئاسة حكومة تصريف الأعمال في لبنان، بطلب إجراء الفحوصات اللازمة للتأكد من صحة استخدام الفوسفور الأبيض أم لا، لكن نتيجة فحص العيّنات تستلزم وقتاً.

ما هو اليورانيوم المنضّب؟

بحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من أجل إنتاج الوقود لأنواع معينة من المفاعلات النووية والأسلحة النووية، يجب “تخصيب” اليورانيوم بنظير U-235، وهو المسؤول عن الانشطار النووي. وأثناء عملية التخصيب، يتم زيادة نسبة U-235 من مستواها الطبيعي (0.72% بالكتلة) إلى ما بين 2% و94% بالكتلة. يحتوي خليط اليورانيوم الثانوي (بعد إزالة اليورانيوم المخصّب) على تركيزات منخفضة من U-235 و U-234. يُعرف هذا المنتج الثانوي لعملية التخصيب باليورانيوم المستنفد – أو المنضبّ Depleted Uranium المعروف اختصاراً بـ DU.

وعن استخدامات اليورانيوم المنضّب، تشرح اللجنة التنظيمية النووية في الولايات المتحدة Nuclear Regulatory Commission – NRC” أنه يستخدم في تصنيع الذخائر المستخدمة في اختراق صفائح الدروع، مثل تلك الموجودة على الدبابات، وفي مكونات رؤوس الصواريخ، وكمكون من مكونات دروع الدبابات، موضحة أن الدروع المصنوعة من هذا النوع من اليورانيوم، أكثر مقاومة للاختراق بواسطة الذخائر التقليدية المضادة للدروع من صفائح الدروع الفولاذية التقليدية.

وأوضحت أن لليورانيوم المنضّب أفضلية على المعادن الأخرى، بسبب كثافته العالية وطبيعته القابلة للاشتعال.. فعند الاصطدام بالأهداف، تشتعل الذخائر الخارقة المكونة من اليورانيوم المنضّب، وتتفكك إلى شظايا، وتشكل رذاذاً من الجسيمات “غبار اليورانيوم المنضّب”، يعتمد حجمها على زاوية الاصطدام وسرعة الاختراق ودرجة الحرارة. يمكن لجزيئات الغبار الدقيقة هذه أن تشتعل تلقائيًا في الهواء.

أضرار اليورانيوم الصحية

ويقول روبرت جايمس بارسونز الباحث الأميركي في شؤون الأسلحة لـ”الشرق”، إنه إذا تأكد استخدام هذا النوع من الأسلحة، فإن “المواد السامة، التي تحتوي عليها جزئيات اليورانيوم تؤدي إلى تلويث دائم للبيئة المحيطة، يشمل التربة والمياه الجوفية، مما يرفع احتمالية إصابة السكان بأمراض مستعصية، لا سيما أنواع السرطان المختلفة مثل اللوكيميا وسرطان نخاع العظم وأمراض الجهاز التنفسي، فوحدات اليورانيوم التي تولد انفجاراً تصل حرارته إلى 5 آلاف درجة مئوية، تخلف غباراً خفيفاً محملاً بالإشعاع، يكون قابلاً للدخول إلى الشُعَب الهوائية عبر التنفس، والتنقل مع التيارات الهوائية، وبالتالي تعميم الضرر بشكل لا يمكن ضبطه على مساحات شاسعة”.

وأضاف أنه بالاستناد إلى دراسات سابقة عن حالات استخدام مماثلة لليورانيوم، في العراق “تم تسجيل تشوهاتٌ جسديةٌ للأطفال الذين ولدوا لأمهات تنشقن هذه الجزئياتِ خلال فترة الحمل”.

ما هو الفوسفور الأبيض؟

وتعرِّف منظمة الصحة العالمية الفوسفور الأبيض، الذي تشير أيضاً إلى أنه يُطلق عليه أحيانًا اسم “الفوسفور الأصفر”، بأنه “مادة صلبة شمعية بيضاء إلى صفراء ذات رائحة تشبه الثوم. يشتعل تلقائياً في الهواء عند درجات حرارة أعلى من 30 درجة مئوية، ويستمر في الاحتراق حتى يتأكسد تماماً أو حتى يُحرم من الأكسجين. ينتج عن احتراق الفوسفور دخان كثيف أبيض مزعج يحتوي على أكسيد الفوسفور المختلط.

وتشرح المنظمة بأن الفوسفور الأبيض يستخدم للأغراض العسكرية في القنابل اليدوية وقذائف المدفعية لإنتاج الإضاءة، ولتكوين ستار دخاني وكمواد حارقة. تتمثل استخداماته الصناعية الرئيسية في إنتاج حمض الفوسفوريك والفوسفات والمركبات الأخرى. يستخدم الفوسفات لتصنيع مجموعة من المنتجات بما في ذلك الأسمدة والمنظّفات، كما تم استخدام الفوسفور كمبيد للقوارض، وفي الألعاب النارية.

وتنبه المنظمة إلى أن الفوسفور الأبيض “ضار بالبشر من خلال جميع طرق التعرض له. يمكن امتصاصه بكميات سامة عن طريق البلع أو التعرض الجلدي/الغشائي”، محذرة من أن “الدخان الناتج عن حرق الفوسفور ضار بالعين والجهاز التنفسي حيث تذوب أكاسيد الفوسفور في الرطوبة لتكوين أحماض الفوسفوريك”. وتضيف المنظمة أن التأثيرات الوظيفية للتعرض للفوسفور الأبيض قد تتأخر “لمدة تصل إلى 24 ساعة”، وقد يؤدي التعرض القوي للفوسفور الأبيض إلى انعكاسات على القلب والانهيار، بالإضافة إلى تلف الكلى والكبد وانخفاض الوعي والغيبوبة. وقد تحدث الوفاة نتيجة للصدمة أو الفشل الكبدي أو الكلوي أو تلف الجهاز العصبي المركزي أو عضلة القلب.

تأثير الفوسفور الأبيض في لبنان

في هذا السياق، أوضحت رئيسة نقابة الممرضات في لبنان، عبير كردي علامة، أن “أنواع الإصابات، في هذه الحرب، أكثر ضخامة وخطورة وصدمة، مما كانت عليه في حرب 2006″، مشيرة إلى أنه “رغم كل التدريبات التي قدمناها للممرضات والمتخصصين في الرعاية الصحية، فقد قمنا بإعدادهم أيضاً للتعامل مع ضحايا الفوسفور الأبيض، وكما تعلمون، من المحظور دولياً استخدام هذا النوع من الأسلحة”.

وأضافت علامة، أن النقابة دربت الممرضات على كيفية الاعتناء بأنفسهن وبالمرضى. ومع ذلك، “فمع تزايد عدد الأهداف، لا أعتقد أننا سنكون قادرين على التعامل مع مثل هذا العدد الهائل من الضحايا، ولا سيما مع إصابات الفوسفور الأبيض، وأنواع الأسلحة التي تستخدم”.

وعن الروائح الغريبة، التي تحدث عنها الناس نتيجة القصف، ذكرت أن لدى النقابة “الكثير من التقارير عن الروائح، وخاصة بعد القصف”، وتابعت: “لسنا متأكدين من ماهية هذه الروائح. ولسنا متأكدين من نوع المواد الموجودة في القنابل”.

أما بالنسبة للحالات التي  تُظهر التأثير الواقع على الجهاز التنفسي، قالت علامة، إنها لا تملك أرقاماً دقيقة عن عدد الحالات، لكنها أكدت تلقيهم تقارير عن وصول حالات، دون وجود إحصائيات واضحة، أو تحديد طبيعة مُسببات هذه الروائح.

تجاهل إسرائيلي لمبادئ “التمييز والتناسب”

كانت الأمم المتحدة أصدرت تقارير عدة، أشارت فيها إلى استخدام “أسلحة ذات حمولة ثقيلة غير مناسبة للاستخدام في غزة”، ويشير التقرير الأخير للجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة الصادر في يونيو 2024، إلى أن إسرائيل “حتى وإن استهدفت بصواريخها أهدافاً عسكرية، فإنها تتسبب في أعداد هائلة من الضحايا المدنيين والدمار واسع النطاق، وتتعمد من خلال ذلك إحداث أقصى قدر من الضرر، متجاهلة مبادئ التمييز والتناسب، مما يجعل هذه الضربات غير قانونية، إضافة إلى الأعداد الكبيرة والمتزايدة من الضحايا طيلة العام الماضي دون أي تغيير في السياسات الإسرائيلية أو الاستراتيجيات العسكرية”.

وخلال العام الجاري، استنفدت إسرائيل ترسانة كبيرة من القنابل، والتكتيكات العسكرية والتقنية والاستخباراتية، تكفّلت بتحويل قطاع غزة إلى أرض محروقة، في حرب أطلقتها، لاستعادة الرهائن، الذين أسرتهم حركة “حماس”، وفصائل فلسطينية أخرى، خلال هجوم “طوفان الأقصى”، على مستوطنات ومواقع عسكرية إسرائيلية في 7 أكتوبر 2023.

وامتد الخراب الهائل، ليطال مساحات شاسعة من جنوب لبنان وشرقه، وصولاً إلى الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق متفرقة، نتيجة عملية، أطلقتها إسرائيل، في 23 سبتمبر الماضي، تحت عنوان “سهام الشمال”، لضرب البنية التحتية لـ”حزب الله” اللبناني، و”تمكين سُكان شمال إسرائيل، من العودة إلى مستوطناتهم”، بعدما هربوا منها، نتيجة حرب “الإسناد” التي أشعلتها الجماعة المدعومة من إيران، لمساندة غزة، في 8 أكتوبر من العام الماضي.

جيل أسلحة الذكاء الاصطناعي

من ناحية أخرى، تعتمد إسرائيلي على تقنيات متطورة لرصد وتتبع الفلسطينيين باعتبارهم أهدافاً عسكرية.

وفي حديث لـ”الشرق”، رأى مات محمودي، الباحث في الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان في منظمة العفو الدولية، أن هذه التقنيات الحديثة “تعتمد على استخلاص كميات كبيرة من المعلومات من قواعد بيانات مختلفة، مثل مواقع التواصل الاجتماعي، وأنظمة تحديد المواقع، والكاميرات، لتحديد من قد يكون مقاتلاً، ثم تقوم الخوارزميات بعدها بإنشاء قائمة تضم ما بين حوالي 36 ألفاً إلى 367 ألف هدف، وهو عدد هائل من الناس”.

وتخشى المنظمات المتخصصة، وكذلك محمودي، من أن ما يفعله هذا النظام هو استبعاد فرضية البراءة عن لوائح المستهدفين، إذ “يكرس الذكاء الاصطناعي هذه القائمة ليجعل منها مرجعية مفادها أن أي شخص موجود فيها هو في الواقع هدف عسكري مشروع، وذلك بالاستناد إلى نظام يتوافق مع أي وصف أو فكرة مسبقة لدى القوات الإسرائيلية حول تعريف المقاتل”.

تطويع التكنولوجيا لصالح الحرب

وصف محمودي هذا النهج الإسرائيلي في ملاحقة خصومها بـ”الكسول”، لأنه، كما يقول “يستخدم التكنولوجيا لتبرير الفظائع الحالية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وهذا ليس بجديد، فقد رأينا في السابق استخدام تقنية التعرّف على الوجوه خلال عمليات الإخلاء من شمال غزة إلى جنوبها، واستخدام نظامي (الذئب الأحمر) و(الذئب الأزرق) للتعرف على الوجوه من أجل تقييد حركة الفلسطينيين في الخليل، وخلال عام 2000 استخدمت إسرائيل نظاماً للتعرف على الوجوه لمراقبة كل تحركات الفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة، ولذلك، هذا مجرد تكرار أكثر تطوراً لما يمكن اعتباره فصلاً عنصرياً آلياً تفرضه السلطات الإسرائيلية على الفلسطينيين، وهو تطويع غير محمود للتكنولوجيا لصالح الحرب”.

من جهة أخرى، يبدو تفجير إسرائيل لعدة آلاف من أجهزة الاتصال كانت بحوزة عناصر من “حزب الله” اللبناني في 17 سبتمبر الماضي، على أنها “العمل الاستخباراتي الأبرز في التاريخ الحديث، وواحدة من أنجح عمليات اختراق العدو، وأكثرها إبداعاً، بما في ذلك كيفية التخطيط لها وتنفيذها”، بحسب تقرير “واشنطن بوست”.

قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، الأربعاء، إن إسرائيل استخدمت مادة الفسفور الأبيض في قصف استهدف 17 بلدة على الأقل في جنوب لبنان منذ أكتوبر 2023، ما يعرض المدنيين لخطر جسيم، ويساهم في تهجيرهم.

ومنذ اندلاع حرب إسرائيل على غزة في 7 أكتوبر، تتبادل إسرائيل وجماعة “حزب الله” القصف بشكل شبه يومي، إذ يتهم لبنان إسرائيل باستخدام مادة الفوسفور الأبيض المثيرة للجدل في هجمات على جنوب البلاد، وتقول السلطات اللبنانية إنها تسبّبت بأضرار للبيئة والمدنيين. 

وبحسب تقرير المنظمة، فإن “استخدام الفسفور الأبيض من قبل إسرائيل على نطاق واسع في جنوب لبنان يعرض المدنيين لخطر جسيم، ويساهم في تهجيرهم”. 

ولفتت المنظمة إلى أنها “تحققت من استخدام القوات الإسرائيلية ذخائر الفسفور الأبيض في 17 بلدة على الأقل في جنوب لبنان منذ أكتوبر 2023، 5 منها استُخدمت فيها الذخائر المتفجرة جواً بشكل غير قانوني فوق مناطق سكنية مأهولة”. 

وأظهرت صور التُقطت في 10 مناسبات منفصلة على الأقل بين أكتوبر وأبريل، أعمدة دخان غريبة ومتفرّعة، تشبه الأخطبوط، يتماشى مظهرها مع ما قد يصدر عن استخدام الفسفور الأبيض. 

والتقطت تلك الصور في ما لا يقل عن 8 مواقع مختلفة على طول الحدود، وفي الكثير من المرات، في مواقع قريبة من المنازل أحياناً، إذ تستخدم ذخائر الفسفور الأبيض، وهي مادة قابلة للاشتعال عند التماس مع الأكسجين، بهدف تشكيل ستائر دخانية وإضاءة أرض المعركة. 

وفي أكتوبر، قال الجيش الإسرائيلي، في بيان، إن إجراءاته تملي بعدم استخدام قذائف الفوسفور الأبيض “في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، مع وجود استثناءات معينة “، مضيفاً أن “هذا يتوافق مع متطلبات القانون الدولي ويتجاوزها، وأن الجيش لا يستخدم هذه القذائف لأغراض الاستهداف أو إشعال النار”.

من جهتها، سجلت وزارة الصحة اللبنانية 173 شخصاً كمصابين “بتعرض كيميائي ناتج عن الفسفور الأبيض”، بدون أن تحدّد ما إن كانوا مدنيين أو مقاتلين. 

جريمة حرب

وأفاد أطباء من 3 مستشفيات إضافية في جنوب لبنان بأن مؤسساتهم عالجت مصابين بأعراض تنفسية ناجمة عن التعرض للفسفور الأبيض.  وذكرت “الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام”، في يناير، أن “قذائف فسفورية سقطت بين المنازل في ساحة بلدة حولا، بعد استهداف من مدفعية العدو”. 

وتحدّثت عدة مرّات عن قصف بذخائر الفسفور في جنوب لبنان، بما في ذلك في الأيام الأخيرة، ما تسبب في بعض الأحيان باندلاع حرائق. وكانت “العفو الدولية” قالت في وقت سابق في 2023 إن “الجيش الإسرائيلي أطلق قذائف مدفعية تحتوي على الفسفور الأبيض خلال قصف على طول حدود لبنان الجنوبية بين 10 و16 أكتوبر”. 

وطالبت المنظمة “بالتحقيق في هجوم على بلدة الضهيرة في 16 أكتوبر باعتباره جريمة حرب، لأنه لم يميّز بين المدنيين والعسكريين، وأدى إلى إصابة ما لا يقل عن 9 مدنيين”.

من جانبه، أكّد محقق الأسلحة في فريق الأزمات التابع لمنظمة “العفو الدولية” براين كاستنر أن “استخدام الفسفور الأبيض في المناطق المأهولة يمكن أن يصنّف كهجمات عشوائية، وهو ما يعد انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي”.

وأضاف: “إذا أصيب أو قُتل مدنيون، قد يشكّل ذلك جريمة حرب”، في وقت رصد عناصر من قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) الفسفور الأبيض داخل مقراتهم.

مخاوف بيئية

وأثار استخدام الفسفور الأبيض القلق بين المزارعين في جنوب لبنان الذين شاهدوا أراضيهم تحترق، فيما يخشى آخرون من تلوث في التربة والمحاصيل. وتلفت الأمينة العامة للمجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان تمارا الزين، إلى أن هناك القليل من المعلومات حول كيفية تأثير الفسفور الأبيض على التربة. 

ويعتزم المجلس أخذ عينات واسعة لتقييم أي تلوّث محتمل للتربة، لكنهم “بانتظار وقف إطلاق النار لإرسال الفريق، لنقوم بهذا التقييم”. وقال المدير المعاون لمركز “حماية الطبيعة في الجامعة الأميركية” في بيروت أنطوان كلاب، إن “النقص في البيانات يتسبب بحالة ذعر، وكان بعض المزارعين يهرعون لإجراء فحص للعينات”.

وأضاف أن “من المهم أن نقوم بأخذ العينات في أسرع وقت ممكن، لفهم ما إذا كان قصف الفسفور الأبيض يشكل خطراً عاماً على الصحة العامة والأمن الغذائي والنظام البيئي”.

وأعرب البيت الأبيض، في ديسمبر، عن قلقه إزاء تقارير تفيد باستخدام إسرائيل لفسفور أبيض، زوّدتها به الولايات المتحدة، بهجماتٍ في لبنان. 

بدوره، قدّم لبنان شكوى بحقّ إسرائيل أمام مجلس الأمن الدولي على خلفية استخدامها للفسفور الأبيض أثناء عملياتها العسكرية داخل الحدود اللبنانية، بما يعرض للخطر حياة عدد كبير من المدنيين الأبرياء، ويؤدي إلى تدهور بيئي واسع النطاق خاصة مع الممارسات الإسرائيلية القائمة على حرق الأحراج والغابات اللبنانية.  

ومنذ بدء التصعيد بين “حزب الله” وإسرائيل، سقط أكثر من 450 شخصاً في لبنان، بينهم 88 مدنياً، وفق تعداد لوكالة “فرانس برس”، يستند إلى بيانات من “حزب الله” ومصادر رسمية لبنانية، في وقت أعلن الجانب الإسرائيلي سقوط 14 عسكرياً و11 مدنياً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *