الإخوان غير المرئيين فى أوروبا!

أشعلت جماعة الإخوان حريقًا من التطرف يصعب إخماده فى العديد من دول أوروبا، حيث تنشط بشكل غير معهود وتدير خططها المرحلية طويلة المدى بأساليب واستراتيجيات أكثر مكرًا، مما يعوق جهود مجابهتها والحد من خطورتها. لفت الباحث الإيطالى لورينزو فيدينو إلى فارق جوهرى بين السرية التى كانت تمارسها الجماعة بالشرق الأوسط، وتلك التى تمارسها فى أوروبا، ففى الأولى لم تكن تنكر وجودها وظل لها أوجه علنية ملموسة استطاعت الأجهزة من خلالها التعامل مع كيان له وجود فعلى على الأرض ومن ثم امتلاك القدرة على مكافحته وحظر أنشطته وتقويض هيكلته، مع الجهد النوعى فى تقويض خلاياه العسكرية السرية، بينما فى أوروبا لا تخفى الشخصيات والمنظمات المرتبطة بالإخوان أنشطتها فحسب بل ترفض الاعتراف بأى صلة بالجماعة، مُتهمة من يحاول إثبات ذلك بالتعصب والتآمر. من ضمن أهم الأبحاث التى صدرت مؤخرًا دراسة لفيدينو يكشف خلالها عن الكيفية التى تحدثت بها أجهزة الأمن الأوروبية علنًا عن جماعة الإخوان بمعزل عن اعتبارات وحسابات الدوائر السياسية؛ حيث ترى تلك الأجهزة أن الجماعة تملك فعليًا شبكة متطورة تعمل سرًا فى أوروبا من خلال منظمتها الجامعة (اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا) وفروعها، وأن النشطاء الأوروبيين المرتبطين بها قد أنشأوا منظمات واجهة تسمح لهم بالعمل داخل المجتمع وتعزز أجندتهم دون أن يسهل التعرف عليهم كمنتمين تنظيميين، وأنها وإن لم تكن منخرطة فعليًا فى الإرهاب فلها وجهات نظر وأهداف غامضة وتخريبية ومتداولة بالغرف السرية، معادية للديمقراطية وتتعارض مع المواطنة وحقوق الإنسان الأساسية وقيم المجتمع الغربي.

تنطوى التقييمات بشأن الإخوان التى أجرتها أجهزة سبع دول أوروبية (النمسا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا وهولندا وإسبانيا والسويد) على نتيجة مؤكدة رئيسية مفادها أن هناك إجماعًا لدى المجتمع الأمنى الأوروبى بشأن التحذير من وجود فعلى لجماعة الإخوان ومن طبيعتها الإشكالية وأهدافها بعيدة المدى، علاوة على أنها عكست اهتمامًا أوروبيًا أمنيًا غير مسبوق بالتنظيم الذى لم يُصنف بعد كمنظمة إرهابية من قِبل الاتحاد الأوروبى أو أى دولة أوروبية. فى ضوء دراسة الباحث الإيطالى النشط نكتشف أن غالبية دول أوروبا لا تزال فى مرحلة التردد بعد أن تجاوزت أجهزتها الأمنية مرحلة اللايقين بشأن تهديدات الإخوان المستقبلية، وهى أكثر خطورة من التصريح العلنى باعتناق المبادئ الشمولية المتمردة كما لدى داعش وغيره الذى تسارع الأجهزة لإخماد خطره فى مهده، حيث إن إخفاء عناصر الإخوان القناعات الحقيقية والظهور أمام المجتمع بشكل تقدمى يمنح الجماعة فرصًا على مدى زمنى ممتد لتشكيل نموذجها الخاص الذى يؤدى إلى تشظى المجتمع على أساس الهوية. لا تختلف نظرية (إقامة الدولة الإسلامية) لدى داعش ونظرية (الاستبدال العظيم) أو ما سمته أجهزة أوروبية (المشروع) لدى الإخوان سوى فى التوقيتات والأساليب؛ فأحدهما متعجل صريح، والآخر متمهل خفى مما يجعل الأخير أكثر فعالية وأقل عُرضة للتدقيق، وعناصره لا يختبئون ولم يُحظروا بل بدلًا من ذلك احتلوا أو يطمحون علنًا إلى احتلال أهم المناصب.

لا مفر من استدعاء تجربة الرئيس السادات مع الإخوان وإطلاع الأوروبيين على تفصيلاتها، حيث كان هناك إدراك لدى أجهزة الأمن وتحذيرات من خطورة الجماعة، وأدى تأخر الاستجابة السياسية حيالها إلى ما اعترف به الرئيس الشهيد نفسه، حيث لعبت الدور الأخطر المُهدِد للأمن القومى فى إثارة الفتنة الطائفية، وفى تصاعد نفوذ التنظيمات التكفيرية التى لم تكن سوى ذراع عسكرية لها، علاوة على لعب الدور الخفى والفعال فى مخطط إسقاط الأنظمة وتغيير هوية المجتمع.


هشام النجار .. الأهرام

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *