تاريخ الأقباط 6: ديسمبر/641 وضعت مصر نير العرب على عنقها

تاريخ الأقباط المجلد الثاني كما كتبته مسز أ. ل. بتشر عام 1897

الذي يراجع معاهدة الصلح التى ذكرها يوحنا في تاريخه يجدها ملائمة مناسبة، فان الرومانيين منحوا احد عشر شهرا هدنة فيها يستطيع كل روماني مبارحة مصر إذا شاء على شرط ان يدفع الرومانيون للمسلمون مبلغا وافراً من المال، فدية لهم.

أما الذين يبغون الإقامة في مصر فعليهم ان يدفعوا الجزية أسوة بالمصريين حتى يتمتعوا بالحرية نظيرهم ، ثم ان الجيش الروماني يغادر مصر في مدة معلومة وله ان يأخذ معه معداته وأسلحته على ان لا يعود ويدخل البلاد في الحرب او السلم. وقد اخذ المسلمون رهينة لحين إتمام هذه الشروط مائة رجل خمسين من ضباط الجيش الروماني وخمسين من وجهاء الرومانيين.

وقد تعهد المسلمون في مقابلة ذلك ان يتبعوا مع الاروام ذات الخطة التى وعدوا بها الاقباط باتباعها وهي ان لا يغتصبوا كنيسة من كنائسهم ولا يتدخلوا في أمور دينهم، ومما يدل على مكر هؤلاء العرب أهم صرحوا لليهود بالاقامة في الاسكندرية واعطوهم تمام الحرية وذلك لأن اليهود جمعوا الجزء الأكبرمن المال الذي دفعته مصر للمسلمين.

فلما اتفق كيروس مع عمرو على هذه النصوص والقيود عاد إلى الاسكندرية وطرحها على تاودروس واكابر المدينة على اختلاف اجناسهم ونزعاتهم فتوقف بعضهم عن قبولها واختلفوا فيما بينهم اختلافهم في كل أمر ولذلك إرتأوا ان ينفذوا رسولا الى القسطنطينية يسأل الإمبراطور قسطنطين رأيه فيها ويطلب منه التصديق عليها ان شاء ان يقبلها. وقبل ان يبت الرومانيين الحكم في هذا الأمر الجلل تسرع عمر ودخل الاسكندرية مع جنوده كلها ليأخذ الفدية التى تقرر دفعها عن الرومانيين مع ان الشروط لم تعتبر نهائية بعد، فذعر الأهالي من هذه المفاجأة وقاموا في وجه المسلمين يقاومونهم ويكافحون ولكن القائد الروماني تدارك الامر وسار في كتبية من جيشه يهدئ روع العامة ويسكن من جأشهم قائلا لهم ان الصلح قد تم على يد البطريرك كيروس.

فعندما سمع السكان ذلك تحول غضبهم وهياجهم الى كيروس وداروا يبحثون عنه ليقتلوه فلم يمكث هذا البطريرك حتى يجدوه بل خرج لمقابلتهم بقلب جسور وقدم ثابتة مما جعل هؤلاء القوم الهائجين يقفون صامتين كأن على رؤوسهم الطير ليسمعوا مايلقيه عليهم كيروس بدلا من ان ينقضوا عليه ويمزقوه. ثم خطب فيهم خطابا مؤثراً غير شعورهم وحرك عواطفهم حتى انهم انصرفوا من أمامه إلى بيوتهم وجاءوا له بكل ماعندهم من ذهب وفضة ليدفعها الفدية المطلوبة من الرومانيين وهكذا عرف المصري ببساطته وسذاجته لدرجة يقول عنها علماء الأخلاق أنها افقدته استقلاله ومجده لانه يتأثر من لاشئ وان تأثره لا يبق معه طويلاً ولا يعمل في قلبه الا عملاً وقتياً.

وعلى هذه الصورة المحزنة وضعت مصر على عنقها بيدها النير الإسلامي من بدء شهر ديسمبر سنة 641 ميلادياً ولم تقدر ان ترفعه لحد يومنا هذا سواء كان المسلمون الذين يحكمونها من  العرب أو الشراكسة او الأتراك الذين قضوا جمعيا على علومها وصنائعها وفنونها وتمدنها وديانتها بل قضوا ايضا على حياتها قضاء لا تقوم لها قائمة من بعده. وإذا أردت ان تعرف مقدار ما أصابها الآن من الهول والويل والنكد ووالبلاء من ثقل هذا النير فاعلم انه لا يوجد بين سكان مصر الذين يبلغون التسعة ملايين من الأنفس سوى سبعمائة ألف شخص قبطي لا شك ولا ريب في انهم وحدهم سلالة اولئك المصريين القدماء الذين ابقتهم العناية الإلهية شهود على ما أصاب الديانة المسيحية في هذه البلاد تسعة عشر قرنا من اضطهاد مهول وعذاب شرحه يطول.

حقوق النشر محفوظة لوكالة أنباء يورو عرب برس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *