صحف إيرانية: الحرب ونووية إيران هما البديل عن الاتفاق

لا تلوح بالأفق أية خطة بديلة للاتفاق النووي من قِبل الطرفَين: أي طهران وواشنطن، رغم ما يبديانه بين الفينة والأخرى من رغبة في استئناف المفاوضات التي استمرت لأكثر من ثلاث سنوات دون أية نتيجة؛ لدرجة أن الرئيس الأمريكي وصف هذا الاتفاق بأنه ميت دون الرغبة في الإعلان عن ذلك رسمياً، وأكدت وزارة الخارجية الأمريكية، في عدة مناسبات، أن التفاوض بهذا الشأن لم يعد من أولويات الولايات المتحدة. وفي المقابل ردت إيران على ذلك بالمثل؛ من خلال رفع نسبة التخصيب إلى 60% وزيادة أجهزة الطرد المركزي واستخدام جيل جديد منها، وأكدت أنها لن تتراجع قيد أنملة عن مساعيها النووية.

لذا، ووفقاً لما أشارت إليه صحيفة “اعتماد” الإيرانية، فإن الحرب الشاملة هي البديل الوحيد لخطة العمل الشاملة المشتركة، والتي ستؤدي في النهاية على الأرجح إلى امتلاك إيران السلاح النووي.

تدرك إيران حالياً أن الفوائد الاقتصادية من إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة لن تكون مماثلة لإنجازات طهران الاقتصادية في عام 2015، حين تم توقيع الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة 5+1  ، فالشركات الكبيرة؛ خصوصاً الشركات الغربية، لن تعود إلى إيران أو إذا قام بعضها بذلك فسيكون بحذر وتفكير كبيرَين.

أحد أهم أسباب عدم التوصل إلى اتفاق حتى الآن هو الانقسامات السياسية الداخلية في طهران وواشنطن، ووجود معارضين أقوياء من كلا الطرفَين لهذه الاتفاقية، والتقديرات الخاطئة التي غاص بها أصحاب القرار في طهران حين أرادوا التريث والمراهنة على الشتاء القارس في أوروبا التي قد تضطر إلى اللجوء إلى موارد الطاقة الإيرانية نتيجة الأزمة الأوكرانية، وأيضاً رفض الحرس الثوري إحياء الاتفاق النووي بأية حالة من الأحوال، وهو ما أكده الدبلوماسي السابق في وزارة الخارجية الأمريكية “مارك فيتزباتريك”.

تنتظر العديد من الدول العربية؛ خصوصاً المملكة العربية السعودية، تحديد نتيجة إحياء الاتفاق النووي، حتى تتمكن في النهاية من إعادة تحديد علاقاتها مع إيران، وهذه هي الحال أيضاً لدى الدول الأوروبية.

بالنظر إلى أن مشروع عزل إيران كان ناجحاً إلى حد كبير، حتى في حالة تنشيط الاتفاق النووي، فمن غير المرجح أن يكون رفع العقوبات إنجازاً كبيراً لإيران في الواقع؛ وخصوصاً الاقتصادي، لأن الوضع الذي تشكَّل حالياً حول إيران يمثل خطراً على أي استثمار أو عائد للشركات الأجنبية وحتى المحلية. من ناحية أخرى، فإن العزلة السياسية التي تعيشها إيران، على عكس عام 2015، لن تُحل عن طريق حل أحد الخلافات بين إيران والغرب، وهو الملف النووي؛ بل إن هناك الكثير من نقاط الخلاف والتوتر بين الطرفَين، خصوصاً في ما يتعلق بتورط إيران في الحرب الأوكرانية وقمعها الاحتجاجات الشعبية وزيادة وتيرة الإعدامات وانتهاك حقوق الإنسان، في مثل هذه الحالة.

وتجدر الإشارة إلى أنه حتى لو تم التوصل إلى اتفاق نووي؛ فإنه لن يكون ذلك الاتفاق الذي شهدناه في 2015 إلى 2018، فالقوى الغربية تعلم الآن أن إيران أصبحت لديها إمكانية الحصول على أسلحة نووية، وأنها تسعى إلى ذلك بالفعل؛ سواء مع أو دون التوصل إلى اتفاق نووي، وليس كما كان الوضع عام 2015، حين كانت قدرة إيران النووية في ذلك الوقت من النوع الذي قيل إن طهران على بعد أعوام من الحصول على أسلحة نووية.

اليوم، وفقاً للخطوات التي اتخذتها إيران رداً على انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، ولحاق الدول الغربية بركب الولايات المتحدة، وتقارير وكالة الطاقة الدولية عن أنشطة نووية سرية في إيران، يتبين أن إيران تسعى بالفعل إلى امتلاك سلاح نووي، وبالطبع قد تقول إيران إننا لا نتطلع إلى إنتاج قنابل أو أسلحة نووية،  لكن هذا ليس صحيحاً وغير مقنع للمجتمع الدولي الذي أدرك أن إيران تسعى للحصول على أسلحة نووية، وانتهكت كل قيود وبنود الاتفاق النووي، وهو ما أكده رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأسبوع الماضي، وقال إن كل قيد كان في الاتفاق النووي قد انتهكته إيران عدة مرات، وأضاف: إن الصفقة أصبحت “قذيفة فارغة” وأن النشاط الدبلوماسي لإحيائها شبه معدوم، ولم يعلن أحد عن موت الاتفاق؛ لكنْ لا أحد ملتزم به أيضاً.

في إشارة إلى الأبعاد الاقتصادية لإحياء الاتفاق النووي، لن تكون الفوائد الاقتصادية لإيران من ذلك حالياً مماثلة لمنافع طهران الاقتصادية في عام 2015، فحتى لو تم التوصل إلى اتفاق حالياً، فإن الشركات والاستثمارات الأجنبية قد فقدت الثقة بالمناخ الاستثماري في إيران؛ لذا فإنها لن تكون مستعدة للعودة إلى إيران، خصوصاً أنها أصبحت في حالة عزلة شديدة ومنبوذة من قِبل المجتمع الدولي على خلفية قضايا عديدة غير الاتفاق النووي.

كما أن قضية الاتفاق النووي ليست مشكلة واحدة فقط لإيران؛ ولكنها مجموعة من المشكلات المترابطة والمتداخلة والمتشابكة، بما في ذلك المشكلات الداخلية (السياسية والاقتصادية والاجتماعية) والإقليمية والعالمية؛ فاليوم نواجه شرق أوسط مختلفاً عما كان عليه قبل عقد أو عقدَين من الزمان، حيث حدثت العديد من التغييرات والأحداث السلبية كنتيجة لسياسات النظام الإيراني التدخلية والتخريبية في دول المنطقة، ومن الضروري اعتماد نهج جديد تجاه إيران لكبح جماحها وإعادتها إلى داخل حدودها.

السيناريو الأول: هو استمرار استراتيجية الضغوط الغربية على إيران، من أجل إقناع طهران بقبول اتفاقية أكثر تحديثاً، وفي هذا السيناريو ستلجأ الولايات المتحدة إلى تكتيكَين متزامنَين؛ مما يعني أنها ستفتح الباب أمام الدبلوماسية مع إيران، وفي نفس الوقت زيادة الضغط على طهران تحت ما يُسمى سياسة العصا والجزرة في مجال السياسة الخارجية، فليس من المستبعد أن نشهد في الأسابيع المقبلة ضغوطاً متزايدة على التبادلات المصرفية وصادرات إيران من النفط والبتروكيماويات.

السيناريو الثاني: هو سباق تسلح نووي إقليمي، يمكن أن تستمر المفاوضات النووية دون نتيجة؛ لكنها تتحرك بطريقة تواصل إيران برنامجها النووي تحت ستار المشاركة في الجهود الدبلوماسية.. إذا لم يتوقف تقدم البرنامج النووي الإيراني، فقد يحدث سباق تسلح نووي، ومن المهم منع حدوث مثل هذا الاحتمال في المنطقة؛ فهو ما قد يحدث إذا وصلت إيران إلى مرحلة صنع السلاح.

السيناريو الثالث: هو أن تصبح إيران كوريا شمالية أخرى ودولة معزولة ومعاقبة بشدة، ينفصل سكانها عن بقية العالم ويعيشون في ظلام وفقر مدقع، وتدخل إيران أو أجزاء كبيرة منها، في حالة من الفوضى والاضطرابات، على غرار مصير البلدان المعروفة باسم “الربيع العربي”، مثل سوريا وليبيا واليمن.

السيناريو الرابع: يطرح فرضية الحرب المحتملة بين الدول الغربية وإسرائيل مع إيران بطريقة ملحوظة وجريئة أكثر من أي وقت مضى، حرب ناشئة عن تزايد التوترات بين إيران والغرب حول قضايا؛ مثل: البرنامج النووي ودور طهران في حرب أوكرانيا وبرنامج الصواريخ وسياسات إيران الإقليمية، فمع بداية العام الجديد (2023)، تم ذكر حرب محتملة مع إيران كأحد السيناريوهات المحتملة لهذا العام في تقارير وسائل إعلام غربية موثوقة، وفي كتابات محللي مراكز الدراسات الأمريكية والأوروبية، وكان “كومفورت إرو” المدير التنفيذي لمجموعة الأزمات الدولية، و”ريتشارد أتوود” نائب الرئيس التنفيذي لهذه المجموعة، و”ريتشارد هاس” رئيس المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية، من بين المحللين الذين وضعوا مثل هذا التنبؤ.

كيوبوست- إبراهيم المقدادي

الاتفاق النووي يرقد على سرير الموت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *