كيف حول محمد عثمان اسماعيل اسيوط الى طالبان؟

تم النشر في 27 سبتمبر 2008

كتب وجيه فلبرماير

othman

سجلت أسيوط في الأعوام الأخيرة أعلى معدلات الإنتحار في مصر ، وسادت فيها حالة من القلق بسبب انتشار حالات الأنتحار بين الشباب ، وذلك بإستخدام أقراص السوس السامة التى تستخدم لحفظ القمح من التسوس وذلك يرجع إلى الأحوال الأقتصادية المتردية في محافظة اسيوط وحسب تقرير التنمية البشرية في مصر، والذي يصدر برعاية برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمعهد القومي للتخطيط في مصر تعتبر محافظة اسيوط من أدنى المحافظات في معدل التنمية وأعلاها في معدل الفقر الذي يصل إلى 61 فى المائة

وصنف التقرير أسيوط بوصفها أفقر محافظات مصر، حيث يبلغ 61% منهم 24.8% لا يجدون قوت يومهم، فيما تحتل محافظة بني سويف المركز الثاني، حيث يبلغ عدد الفقراء بها 53.2%، منهم 20.2% لا يجدون قوت يومهم. وتأتي محافظة سوهاج في المركز الثالث بنسبة 45.5%، منهم 17.2% لا يجدون قوت يومهم

ومحافظة أسيوط كانت من أكثر المحافظات التى يتعرض فيها الأقباط للإضطهاد والتى تحوى طاقة هائلة من التعصب الدينى والإرهاب ومفرخة للشباب المتشدد ، وكانت تمثل محافظة أسيوط بتشددها أفضل معهد لتأهيل وزراء الداخلية مثل زكى بدر وعبد الحليم موسى وحسن الألفى

الحوادث الطائفية ضد المسيحيين في أسيوط لا تعد ولا تحصى خاصة منذ عهد المحافظ السابق محمد عثمان إسماعيل ، الذي يعتبر المسئول الأول عن تحويل أسيوط إلى أحد أهم القلاع الحصينة للجماعات الإسلامية وحتى في السنوات الأخيرة حدثت حوادث خطف لفتيات قبطيات قاصرات منهم القضية المشهورة للفتاة بوسى ظريف بستان في حي الوليدية ، وغير ذلك من تورط مسئول كبير مقرب من الحزب الوطنى (ع. المحسن) في المدينة في إغراء بعض الفقراء من المسيحيين في القرى من أجل أن يتحولوا للإسلام.

وكانت هناك محاولات خطف لبنات وقسس وتخديرهم في التاكسيات كشفها قفز أحد القسس الأنجيليين من التاكسى أثناء سيره بسرعه بعد أن شعر أنه يغيب عن الوعى .مثل تلك الأحداث وغيرها ليست إلا أمور لها جذور ترجع إلى عصر السادات الذى أعطى أمر مباشر وشخصى لمحافظ أسيوط محمد عثمان إسماعيل بتكوين الجماعات الإسلامية في جامعات مصر ومن هنا بدأت تتحول اسيوط شيئا فشيئا إلى كيان يشبه الطالبان في أفغانستان .

ونترك الطالب الجامعى معتز سالم يحكى لنا في حلقات مذكراته ومدوناته عن فترة عمره التى قضاها في أسيوط مابين عامى 1961 – 1990 ويحكى لنا مالم يسجله أحد من حقائق ضاعت من تاريخ مصر وأغمضت أعين المثقفين والإعلام عنها متجاهلة متواطئة … لأنها أقلاماً منافقة ومأجورة .

كان معتز سالم طالباً في مدرسة ناصر الثانوية التى تقع مباشرة على الترعة الإبراهيمية أشهر الترع المتفرعة من النيل في الصعيد ، وكانت المدرسة وقتها مدرسة ثانوية تخضع للقواعد العسكرية حيث يرتدي فيها الطلبة الزى العسكرى ، وفي احد الأيام لا يتذكر ان كان عام 1974 أو 1975 قرر ناظر المدرسة جمع الطلبة في طابور خاص لأن محافظ اسيوط قرر أن يزور المدرسة ، وكان الجو هادئاً وجميلاً ، وفجأة عندما حضر المحافظ الجديد محمد عثمان إسماعيل ، أنقلبت الأجواء وحدثت عواصف شديدة عصفت بالميكرفون وكل شئ

ورغم ذلك طالب السادة صف الضباط والضباط المسئولين عن الإنضباط في الطابور ان يظل الطلبة واقفين في الطابور رغم أن العاصفة كادت تقلعهم من مكانهم .. وصمم المحافظ الجديد بكل غلاسة أن يلقى كلمته في هذا الجو العاصف والتراب يخترق العيون ، وبعد أن أنهى كلمته شكر الطلبة على أنهم تحملوا هذه العاصفة من أجل سماع كلماته ، وهو لا يعلم أنهم إستمعوا له مرغمون وليسوا مغرمون ، وسبوا ولعنوا اجداده بعد أن رحل من المدرسة ، غير آسفين على هذا التكدير ، وثقل الدم ،

ويقول معتز : ” أنه رغم اننى احكى هذه الحادثة الصغيرة في مقدمة المذكرات التى احتفظت بها في ذاكرتى إلا أن أهمية أننى إبتدأت بها، انها تعبر فعلا عن تاريخ هذا الرجل الذى كان يعتقد أن الناس انه شخصية محبوبة ولكنه كان في الحقيقة يجبرهم ويكرههم على رغباته باستخدام الدين ، وكان عصره فعلا كالعاصفة ، كله مشاكل وصدامات وعنف ، وكان ثقيل الظل والدم على شعب أسيوط.

وهكذا تذكر الطالب معتز بالصف الأول الثانوي زيارة المحافظ الجديد محمد عثمان إسماعيل لمدرسة ناصر الثانوية التي كان يدرس بها عام 1975 وكان يوماً به عاصفة شديدة ، وتم إكراه الطلاب على الوقوف حتي ينتهي من كلمته الطويلة المملة بكل برود وكادت العاصفة تقلع الطلبة من أماكنهم \r\n\r\nلم يكن معتز بعد ناضجاً سياسياً في العام 1995 أو على علم بالأحداث الكبرى التي تتحكم في مصائر أسيوط عاصمة الصعيد ،

لم يكن يدرك بعد أن هناك موجة من التشدد والعنف المنظم سوف يعصف بمدينة أسيوط بشكل بشع في العشرة سنوات القادمة ، كانت هناك بعض الأحداث التي تحدث ولكنه كان يراها أحداثاً فردية ، ولكنها كانت مؤلمة جداً بالنسبة له ، وسببت له بعض التأثر الذي ظل يعيش معه حتى اليوم ، فأثناء زيارته لجدته في أحد الآحياء الشعبية التي تدعى منطقة غرب البلد ، رأي ثلاثة شباب ملتحين يطعنون شاباً بالسكاكين وتركوه غارقاً في دمائه ، ولم يتجرأ شخص لينقذه ، وأصيب هو نفسه بالخوف والجزع ، لأنه لأول مرة يرى في حياته منظر مثل هذا ، أو لنقل منظر الدم ، وهرب الشباب وصاح أحدهم في وجه الضحية: ” ياكافر يانجس يابن النجس .. عايز تنصر المسلمين .. والله هانمحيك انت واللى خلفوك من على وش الدنيا

وفي إحدى المرات ذهب إلى أحد الشوارع التجارية في وسط أسيوط لشراء بعض المطالب الدراسية فرأي بعض المحلات والمكتبات والمساكن نوافذها مدمرة تماماً وزجاجها كله مدمر ، وعندما أستفسر عن الأمر ، علم أنه مع ظهور هلال شهر رمضان ، قامت مجموعة من أهل أسيوط الذين قاموا بمهرجان ” الرؤية ” في شوارع أسيوط بقذف محلات المسيحيين وبعض عيادات الأطباء المسيحيين بالطوب وكسروا الأبواب والنوافذ والزجاج ، والغريب أن هذا الإحتفال الإستعراضى تسير فيها قوات الشرطة أيضاً ، وبالرغم من أن ذلك يحدث كل عام ، إلا أن الشرطة والمحافظة لم تحمى المسيحيين وقتئذ من هذه الإعتداءت ،

وكان يمثل ظهور الهلال في المنطقة التي يسير فيها مهرجان الإحتفال ، بهجة للمشاركين فيه ، بينما كارثة للمسيحيون المقيمون او المالكون لمحلات في هذه المنطقة ، وكان معتز وهو طفل يتعجب لهذه التصرفات .. ويقول أن الناس تبدأ شهر رمضان والصيام بالحب والرحمة والعطف على الفقراء كما علمه والده ، فكيف يعتدى المصري على أخيه المصري في هذا الشهر المبارك ويسمى ذلك إحتفال

وكالعادة كان المسئولون يقللون من بشاعة هذا الأحداث بشكل متعمد ، ويحكى محمد عثمان إسماعيل محافظ أسيوط هذه الأحداث بشكل مختلف تماماً ومزور وكله كذب ، لأن معتز رأي بنفسه مدى الدمار الذي حدث للمحلات والبيوت والعيادات بسبب إعتداء مهرجان شوارع أسيوط لرؤية الهلال ، وعندما كبر وقرأ القصة التى فبركها المحافظ المتشدد.. والتي سردها في مذكراته ، أيقن تماماً وفهم طريقة كذب وخداع المسئولين والسياسيين على الناس والشعوب بشكل مفضوح دون وازع ضمير أو حتى صدق مع النفس بعد حدوث ومرور هذه الأحداث وخروج هؤلاء من الحكم ..

كيف سرد محمد عثمان إسماعيل القصة في كتابه؟؟
كتب أو كذب محمد عثمان إسماعيل في مذكراته صفحة 113 قائلاً “كان مطران أسيوط الأنبا ميخائيل صديق ، ولا يزال ، وحدث أثناء توليتى محافظاً خلاف بينى وبينه لسبب أعتقد أنه تافه جداً ، ففي أحد احتفالاتنا السنوية برؤية هلال رمضان وهو إحتفال كنت أوافق على إقامته من باب العادة ، رغم عدم إقتناعى بإسلاميته ، وتبدأ وقائع هذا الإحتفال بإستعراض لقوات الشرطة في شوارع المدينة يتبعها موكب يمثل المهن المختلفة بينما ينتظر المحافظ وكبار المسئولين أمام المسجد الذي ينتهي عنده الموكب قرب صلاة المغرب ، فتقام الصلاة يتلوها بعض الكلمات التي تعلن الفتوى الشرعية بظهور هلال الشهر الكريم وبدء الصيام ثم يصلى الحضور العشاء وينصرف الجميع ، كان الموكب ينتهي عند مسجد اسمه مسجد ناصر يجاور هذا المسجد بقليل مطرانية الأرثوذكس ، وبالتالي لابد للموكب أن يمر أمام المطرانية ، وعادة مايسير صبية وأطفال في مثل هذه المواكب ، ويبدو أن بعضهم ألقى بعض الججارة على المطرانية وتسبب ذلك في كسر زجاج بعض الشبابيك والأبواب، وأنا جالس في المسجد أثناء الإحتفال جاء سكرتير المحافظة يهمس في أذنى بما حدث ، وأعتبرت أن المسألة تافهة لا تعدو أن تكون تصرف صبية غير مدركين لما يفعلوه ، وعلى الفور أمرت سكرتير عام المحافظة بأن يتولى بنفسه عملية الإصلاح فقلت له ان يحضر نجاراً ليأخذ مقاسات الزجاج أولاً ثم يتم شراؤه وتركيبه ، وإنصرف السكرتير لينفذ ما أمرته به .. إنتهى الإحتفال وعدت إلى مبنى المحافظة لأجد تلغرافاً ينتظرنى أرسله المطران وأتذكر بعض عباراته ” … المسلمين الغوغاء .. ونحن على إستعداد أن نموت شهداء في سبيل مسيحنا … ” إلى آخره ..

ويستمر محمد عثمان في سرد روايته قائلاً: في الحقيقة تضايقت جداً وأرسلت من يبحث عن سكرتير عام المحافظة وكان إسمه عبد العزيز عبيد ويحضره لي ، فلما جاء سألته ” هل ركبت الزجاج ؟ قال ” لقد رفعنا المقاسات وذهبت لأشتري الزجاج لكنهم أحضرونى من عند البائع ” فقلت له ” لا تشترى الزجاج مادام الأمر بهذا الشكل”

هذه هي الرواية الرسمية التي رواها المحافظ المتعصب ، في مذكراته المليئة بالكذب ، والتي يحاول أن يظهر نفسه فيها ملاكاً برئياً ، وهو في الحقيقة كان عكس ذلك تماماً ، في هذه القصة التي سردها كذب وغرور وكبرياء ، والكذب هو أن الدمار لم يكن للكنائس فقط بل لمحلات المسيحيين وعيادات الأطباء وبعض البيوت المعروفة أنها ملك لمسيحيين ، والمنظر كان خراباً ، ثم يأتي المحافظ ويقول ” بعض الصبية ” ويبرر أفعال المعتدين بقوله ” لا تعدو أن تكون تصرف صبية غير مدركين لما يفعلوه ” وهكذا بكل بساطة إعتبر كسر شبابك وبيوت الناس أنها تصرفات صبية ومسألة تافهة .. والسؤال المنطقى : لماذا ترك الكبار والشرطة المشاركين في هذه الإحتفالات هؤلاء الصبية يكسرون بيوت الناس ويخربون أملاكهم ، ومتى .. في شهر الرحمة ، وفي أول أيام شهر رمضان ..

هل يقذف الصبية الصغار كنائس المسيحيين بالطوب هكذا من أنفسهم ؟؟؟ من الذي زرع داخلهم العنف والتعصب ليفعلوا ذلك ، وهل يقذف أبناء المسيحيين في أعيادهم زجاج المساجد ، ولو حدث ذلك هل كان المحافظ سيعتبرها أيضا ” شقاوة اطفال ” ؟ وبدلا من أن يتصل هذا المحافظ المتكبر المتعجرف يعتذر للذين أصابهم هذا الضرر أو يكلف موظفيه بالقيام بذلك ، فعل عكس ذلك تماماً ، وغضب بسبب شكواهم وألغى أمره بإصلاح شبابيك وابواب الكنيسة ، وهكذا تضيع الحقائق التاريخية بسبب الكذب ، ولو لم يكن الطالب معتز شاهداً على هذه الأحداث ورؤيته الدمار بعينه لشوارع بأكملها ، من كان يستطيع أن يخبر الناس والتاريخ بالحقائق ؟؟؟

وهناك حقائق أخرى كثيرة يشهد عليها ضمير الطالب معتز ، يحكيها لزوار الموقع ، فهي شهادة حق للتاريخ بما فيها الأحداث الدموية التي حدثت في أسيوط بعد إغتيال السادات .. فإلى الحلقة القادمة’, ‘الطالب معتز سالم يحكى حقيقة تحول أسيوط إلى طالبان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *