الإرهاب يكبد مصر مليارات الدولارات في سبع سنوات

خلصت دراسة بحثية رسمية مصرية إلى أن خسائر البلاد الاقتصادية ما بين عامَي 2011 و2018، بسبب الإرهاب، بلغت 207.5  مليار دولار؛ وهو أول رقم رسمي يُعلن من مصر بشأن الخسائر الناتجة عن العمليات الإرهابية على مدار السنوات الماضية.

ووَفق الدراسة التي صدرت بعنوان تكلفة التطرف والإرهاب.. مصر في ثلاثة عقود”، بالشراكة بين وزارة التضامن الاجتماعي والمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، واستغرق العمل عليها 18 شهراً؛ فإن التكلفة المالية هي أحد أجزاء الخسائر التي تعرضت إليها البلاد، محاولاً تقديم رؤية مختلفة على كل المستويات لمعالجة قضايا الإرهاب والتطرف.

ووَفق الدراسة فإن التداعيات المباشرة وغير المباشرة للإرهاب أثرت سلباً على معدلات النمو الاقتصادي؛ وهو ما يمكن مطابقته مع فترات أخرى سابقة شهدت فيها البلاد عمليات إرهابية، سواء خلال التسعينيات أو حتى بعد أحداث 11 سبتمبر، لافتةً إلى أن العمليات الإرهابية تؤثر بشكل سلبي على الاستثمار الأجنبي المباشر ونشاط المستثمرين الأجانب وشركاتهم والقطاعات التي يركزون العمل فيها.

وحسب نتائج سيناريوهات اقتصادية اعتمدت فيها الدراسة على معدلات النمو الاقتصادي، تراجعت 3% بالمتوسط خلال الفترة من 2010 حتى 2016؛ الأمر الذي يعني أن معدلات النمو تراجعت أكثر من 385 مليار جنيه، وهي تكلفة لا تتضمن كل الجوانب التي تحمَّل خسائرها المجتمع المصري في ظل قرار عشرات الآلاف من أصحاب العقول المميزة الهجرةَ بسبب ضغوط الإرهاب.

عرفت مصر الإرهاب المدفوع بالأيديولوجية الإسلامية منذ أربعينيات القرن الماضي، وتصدرت الجماعة الإسلامية قائمة منفذي العمليات الإرهابية خلال التسعينيات، والتي اتسمت عملياتها بعدة سمات وخصائص؛ منها التركيز على السياح بشكل كبير، واستهداف قيادات سياسية، والتي استمرت ما بين عامَي 1990 و1997 قبل أن تتوقف العمليات الإرهابية حتى نهاية 2004 لتبدأ موجة جديدة من العمليات الإرهابية نفذت عبر تنظيمات عابرة للحدود؛ وتحديداً تنظيم التوحيد والجهاد المرتبط تنظيمياً بتنظيم القاعدة في أفغانستان.

لكن مع عام 2011 بدأت العمليات الإرهابية تأخذ مساراً مختلفاً بعد انتشار التنظيمات الإرهابية في العمق المصري ما بين تنظيمات تطرف عنيف تقليدية؛ مثل “داعش” و”القاعدة”، وتنظيمات تطرف عنيف غير تقليدية جديدة؛ مثل “حسم” و”لواء الثورة”، بينما شهدت الفترة من 2013 حتى 2020 العديد من التغيرات التي طرأت على الأوضاع الأمنية، ليأتي تنظيم “ولاية سيناء” في مقدمة التنظيمات الإرهابية النشطة والفاعلة التي تمركزت في شمال سيناء، ونُسب إليه أكبر عدد من العمليات الإرهابية التي شُنت بمواجهة قوات الأمن والمدنيين في ما بعد 2013.

ومن بين الأمور التي تطرقت إليها الدراسة باعتبارها أحد التحديات الكبرى التي تواجه الدولة في محاولة اختطاف الإسلام”، مسألة جمود المجال الديني وعدم استحسان فكرة التجديد الديني، مشيرةً إلى أن أبناء المؤسسات الدينية ليست لديهم قناعة كافية بفكرة التجديد الديني، فيرى بعضهم أنه لا حاجة إلى التجديد، بينما يرى البعض الآخر أنه ينبغي أن ينحصر التجديد في ميدان الاجتهاد الفقهي؛ خصوصاً أن بعض أبناء المؤسسات الدينية لديهم ريبة من التجديد والداعين إليه.

وأكدت الدراسة أن الفكر الديني الذي تقدمه المؤسسات الدينية فكر إنساني شأنه شأن أي فرع من فروع الفكر العام؛ ليس هو الدين وإنما هو فكر حول الدين، وأي فكر ديني يمكن أن يكون عاملاً من عوامل التسامح والتعايش أو التطرف والتعصب؛ فالعامل المؤثر بالحالتَين ليس “الدين” ذاته وإنما الطريقة التي يفهم بها أصحاب الدين دينهم.

واعتبرت أن الإصلاح الديني للخطابات والمؤسسات يمثل عاملاً أساسياً في مكافحة التطرف والإرهاب، وهو ما يتطلب تطوير أداء ومناهج المؤسسات الدينية (الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء)، بما يجعلها تملك القناعة والقدرة على الإصلاح الذاتي وإشباع الاحتياجات الدينية في المجتمع، مع مراعاة التطورات الضخمة التي عرفتها المجتمعات والدول خلال القرن الحادي والعشرين.

وشددت الدراسة على أن مواجهة التطرف تحتاج إلى مواجهة أفكار داخل بنية الخطاب الديني العام؛ ومنها مدى حقيقة الخلافة الموعود بها في آخر الزمان، والتي تزعم جماعات الإرهاب السعي لاستعادتها، وفكرة الجماعة الناجية، ومفاهيم مثل المعروف والمنكر والولاء والبراء والجهاد والدولة الإسلامية.. وغيرها من المفاهيم التي لا إصلاح فكري حقيقي دون إعادة بناء تصورات جديدة عنها، مع إدراج أطوار الفكر الديني ضمن مناهج التعليم الأزهري الجامعي.

ومن بين ما دعت إليه الدراسة بشأن إصلاح الخطاب الديني؛ إعادة النظر في طريقة كتابة السيرة النبوية، نظراً لأن بعض كتب السيرة المتداولة اختزلت سيرة النبي في صورة المقاتل المحارب الذي يخرج من غزوة ليدخل أخرى؛ وهو ما استفادت منه جماعات التطرف في محاولة منح مشروعية لأفكارها الصدامية، متجاهلةً الأدوار الاجتماعية التي قام بها الرسول وكان لها أثر في نشر قيم التسامح والعدل والحرية.

تؤكد الدراسة أن مواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف لا تقع على عاتق الدولة وحدها؛ ولكن تتطلب شراكة متبادلة مع المجتمع؛ من أجل بناء بيئات كابحة تملك المرونة والفعالية اللازمة للفظ الإرهاب كلما حاول العودة أو الظهور مجدداً، لأن الإرهابيين الذين تخلوا عن أفكارهم بالأمس قد يعودون إليها غداً، وأن نهاية تنظيم إرهابي لا تعني أن تنظيماً جديداً لن ينشأ مجدداً، مشيرةً إلى أن الشراكة بين الدولة والمجتمع في مواجهة الإرهاب ستؤدي إلى إنتاج رؤى وسياسات وآليات متوافق عليها تتشارك فيها المؤسسات والأجهزة الرسمية وقوى المجتمع المختلفة.

وبينما تطالب بفتح المجال العام وتعميق التمثيل الشعبي للنظام السياسي؛ فإنها تشدد على ضرورة استبعاد التيارات والجماعات المتطرفة، باعتبار هذا الاستبعاد أمراً أساسياً لحماية النظام السياسي من الاختراق، مع أهمية فتح قنوات ومؤسسات النظام السياسي؛ بما يسمح بتمثيل التيارات والجماعات المناصرة لمبادئ الدولة الوطنية الحديثة وتوسيع نطاق الحوار العام وفتح قنواته.

وتختتم الدراسة بتأكيد أهمية إضفاء طابع الفعالية والاستدامة على الجهود الشاملة لمكافحة الإرهاب من خلال تكريس نموذج قيمي وثقافي يجذر الاعتدال، وآخر تنموي احتوائي ينشر الفرص المتكافئة والعدالة الاجتماعية؛ الأمر الذي يمكن من خلال طرح معالجات ومقترحات متعددة لمكافحة الإرهاب على مستويات عدة، من بينها الإصلاح الديني للخطاب والمؤسسات والإصلاح الثقافي والتشبيك المعرفي بين الدولة ومراكز الفكر، بجانب فتح المجال العام وتعميق المشاركة بالنظام السياسي.

كيوبوست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *