البحث عن جذور الاسلام: نسطور والهرطقة التى مهدت للإسلام (3-10)

الحلقة الثالثة: وجيه فلبرماير

ذكرت في المقال السابق ان الشماس آريوس تاثر بفلسفة يهودية واخرى وثنية فهو تأثر بافكار منقولة من اليهودي فيلون الذي تفلسف في معنى اللوجوس او الكلمة Logos  بانها كائن وسيط بين الرب الوهيم والعالم لان ألوهيم خلق الكلمة لكي يخلق بها العالم والوهيم يعلوا فوق المادة ولا يتصل بها الا عن طريق وسيط فكان هذا الوسيط هو الكلمة “المسيح” وانتشرت افكار آريوس التى سحبت صفة الآزلية من السيد المسيح وجعلته انسان مميز او إله متأنس له بداية اي إله مخلوق.

انتشر الفكر الآريوسي في القسطنطنية وفي الشام وفي العراق الى ان قام بتثبيته البطريرك السرياني نسطورس. ولد نسطور في سوريا بمدينة مرعش وتربى في إنطاكية وهناك ترهّب بدير أيروبيوس، وقد تتلمذ على يدي ثيودوروس الميصي. اختير بعدما تم تعليمه ليكون شماسًا ثم قسًا في كاتدرائية إنطاكية، واشتهر بفصاحته وقوة عظاته. اختاره الإمبراطور ثيؤدوسيوس الصغير ليكون بطريركًا للقسطنطينية، وعند ارتقائه لهذا المنصب الرفيع لم يحتمل عظمة المكانة الذي اختير لها، فسلك بالكبرياء والعظمة وأُعجب بذاته، حتى أنه في إحدى عظاته وجه خطابه للإمبراطور قائلًا: “استأصل أيها الملك معي الهراطقة، وأنا أستأصل معك جنود الفرس الأردياء. ثم تمسك نسطورس بافكار أريوس الهرطقية فيما يتعلق بطبيعة المسيح.

وحسب احد المواقع القبطية يمكن تلخيص المبادئ التي نادى بها نسطور في الآتي:

  1. جعل في المسيح أقنوميّن منفصلين ومتمايزين، لذلك رفض عقيدة الاتحاد بين الناسوت واللاهوت كاتحاد حسب الطبيعة كاتا فيزين kata fuVin كما رفض الاتحاد الأقنومي Hypostatic union، أي رفض الوحدة بحسب الأقنوم بكونه اتحادًا يفوق الوصف والإدراك ولكنه اتحاد حقيقي لا يمكن أن ينفصل.
  2. الاتحاد الأقنومي يعني أن أقنوم الله الكلمة هو نفسه الذي وُلد من العذراء أو الذي تجسد من العذراء أو الذي أخذ جسدًا منها. ولهذا يكون في المسيح أقنوم واحد. ولا يوجد اتحاد أقنومي في الوجود كله إلا في تجسد كلمة الله.
  3. اعتبار أن العلاقة بين اللاهوت والناسوت هي مجرد اتصال
  4. Conjoiningاعتبار أن الكلمة هو ابن الله، وأن يسوع هو ابن العذراء مريم. كان نسطور ينادي في بدعته أن في السيد المسيح أقنومين وشخصين وطبيعتين، فهو حين يصنع المعجزات يكون ابن الله، وحين يتألم ويجوع ويعطش ويصلب ويموت يكون ابن مريم.
  5. اعتبار أن الإنسان مُختار من الكلمة وقد أنعم عليه الله الكلمة بكرامته وألقابه، ولذلك نعبده معه بعبادة واحدة.

أما تعليم القديس كيرلس يقول أنه لا يوجد شخص بشري اتحد به أقنوم الكلمة، وأن كلمة الله بحسب ألوهيته هو غير متألم ولكن ابن الله تألم بالجسد أو حسب الجسد. جاء بشخصه أي أن آلام الجسد هي آلامه هو. وهكذا نسب إلى شخصه الآلام والموت. بالاتحاد بكلمة الله غير المحدود صار الجسد المحدود يموت نيابة عن الكل… نقل كلمة الله إليه الجدارة أو

الاستحقاق. كما أن ما يخص الجسد ننسبه إلى كلمة الله مثل الميلاد والآلام؛ هكذا ننسب غير المحدودية إلى الذبيحة على الصليب.

يرفض تسمية السيدة العذراء والدة الإله ويسميها “أم المسيح”… يرفض لقب “ثيئوتوكوس” qeotokoc، قائلًا أنها أم يسوع فقط. كما ينادى بـ”خريستوطوكوس” والدة المسيح الإنسان.

وبحكم منصبه كبطريرك القسطنطينية وبما له من نفوذ وجبروت بدأ ينشر بدعته الفاسدة في كل مكان مستعينًا ببعض الآباء الكهنة والأساقفة أيضًا.

أما عن الشعب المسيحي في القسطنطينية فإنه لما سمع أقوال نسطور رفضها رفضًا تامًا لعدم اتفاقها مع كلمة الله المقدسة، وبدأوا يثورون ضد نسطور الذي ازداد في عناده وتصلّفه.

كما حضر إليه جمع من الرهبان وبيّنوا له خطأ هذه التعاليم وانحرافها عن الإيمان المستقيم، فغضب عليهم وأمر بحبسهم في الكنيسة، كما أمر أتباعه بنزع ملابسهم وضربهم وإهانتهم، ثم أوثقوهم بعامود وراحوا يضربونهم على بطونهم.

تدخل البابا كيرلس الكبير:

ولما اشتد الجدال في القسطنطينية بسبب هذا الأمر وصل الخبر إلى البابا كيرلس الكبير بطريرك الإسكندرية الذي اهتم بالدفاع وتثبيت اللقب التقليدي للعذراء وهو ثيؤتوكوس qeotokoc  أي والدة الإله، باعتباره ليس لقبًا مجردًا يكرمها، إنما لأنه يحمل إعلانًا لعقيدة إيمانية جوهرية حول شخص السيد المسيح نفسه، بشأن اتحاد لاهوته بناسوته، مؤكدًا أن هذا هو التعبير واللقب التقليدي والكتابي الذي اختاره أثناسيوس الرسولي.

عندما كان نسطور يعظ في الكنيسة كان يقول: “لهذا السبب أيضًا يُسمى المسيح (الله الكلمة) لأن له اتصال لا ينقطع Uninterrupted conjoining  مع المسيح”. وأيضا يقول: “إذن فلنحفظ اتصال الطبيعتين الغير مختلِط unconfused conjoining of natures، ولنعترف بالله في الإنسان وبسبب هذا الاتصال الإلهي نوقِّر ونكرم الإنسان المعبود مع الله الكلى القدرة”.] (رسالة 40: 12(.

من الواضح من الأقوال التي ذكرها القديس كيرلس عن نسطور أن نسطور قد علّم بابنين ومسيحيين الواحد منهما الله والآخر إنسان، وقد نتج عن الهرطقة النسطورية أمران خطيران:

أولًا: إنزال يسوع الناصري إلى مرتبة نبي أو إنسان قديس حلّ عليه أقنوم الكلمة بعد أن اختاره بسابق علمه وقوّاه. وقد رفض القديس كيرلس هذا التعليم الذي ظهر أثره بعد ذلك في القرن السابع الميلادي.

ثانيًا: الشِرْك بالله في العبادة بأن يُعبَد إنسان مع الله بعبادة واحدة نتيجة أن الله قد أعطى هذا الإنسان كرامة مساوية لكرامة الله، وهذا قد فتح الطريق لرفض المسيحية بعد ذلك.

مجمع أفسس:

أمام هذا الانقسام طلب البابا كيرلس من الإمبراطور ثيؤدوسيوس أن يعقد مجمعًا لدراسة الأمر، فاستجاب الإمبراطور لطلب البابا وأرسل لجميع الأساقفة بما فيهم نسطور لكي يجتمعوا في أفسس، وكان اجتماعهم يوم الأحد 13 بؤونة سنة 147 ش الموافق 7 يونيو سنة 431 م. وقد انتهى المجمع بحرم نسطور ووضع مقدّمة قانون الإيمان.

وحين وصلت قرارات المجمع إلى الإمبراطور ثيؤدوسيوس الصغير ثبّتها، وأمر بنفي نسطور بعيدًا عن القسطنطينية.

قرّر الإمبراطور نفي نسطور إلى ديره الأول أيروبيوس الذي نشأ فيه، كما نفى عددًا كبير من الأساقفة من أتباعه، ومكث هناك في الدير أربع سنوات. غير أنه لم يهدأ بل ظلّ ينفث سمومه بين الرهبان مما أغضب الإمبراطور، فأصدر أمره بإحراق جميع مؤلفاته ونفيه إلى بلاد العرب ثم أخميم، التي كانت عاصمة للإقليم التاسع من أقاليم جنوب مصر الـ22، حيث كان المسيحيون هناك شديدي التمسك بإيمانهم ولا يُخشى عليهم من وجوده مقيمًا بينهم.

ظل مقيمًا هناك حتى مات منبوذًا مكروهًا من الجميع، ودُفن في أخميم سنة 450 م. وقد اعتاد أقباط أخميم أن يرجموا قبره بالحجارة، ويلقوا عليه القمامة والتراب حتى تكوَّن من ذلك كوم أو تل نسطور في النصف البحري الشرقي للمدينة.

ومن الجدير بالذكر أن أي شخص يؤمن بإيمان نسطور هذا (النساطرة أو النسطوريين)، لا يتم اعتبارهم مسيحيون؛ لأن جوهر الإيمان المسيحي هو أن “المسيح هو ابن الله الحي” (أقنوم الكلمة الإلهي)، أما نسطور فينادي بأن المسيح شخص آخر، حلّ فيه أقنوم الكلمة(1).  ومن هذا المنطلق، يجب على الأشوريين (الكنيسة الآشورية) أن يقبلوا قرارات مجمع أفسس، ويقوموا بالتخلي عن تقديس نسطور (أي اعتباره قديسًا)، فلن نقبل انضمامهم لمجلس كنائس الشرق الأوسط لكونهم نساطرة.

وبذلك عاشت افكار فيلون اليهودي في الاسكندرية في القرن الاول من المسيحية لتنتقل الى الشماس الليبي ايضا في الاسكندرية آريوس لتمتد الى الكنيسة المسيحية شرقا في القسطنطينية والشام والعراق لكي يثبتها البطريرك نسطورس السرياني لتولد من المسيحية ديانة لاتؤمن بألوهية المسيح اسمها النسطورية.

كل هذه الافكار هي سعى الشيطان لنزع لاهوت المسيح وتشكيك البشر فيه وانزاله الى مستوى البشر وفي احسن الاحوال وضعه في اطار النبي المميز او النبي الذي حلت فيه كلمة الله وهذا بالضبط ماتطور اليه الاسلام فماذ كان يقول نسطور بكل صراحة ووضوح؟

قال نسطور: “أن المسيح مولود من بشر والبشر لايلدون الآلة فكيف نقول ان السيدة العذراء ولدت ربا ونسجل لطفل” وقال كذلك ان “أصل كل الديانات أتت من مصر” وقال “ان فكرة الثالوث منبثقة من أفلوطين”

كما مدح نسطور الشماس المهرطق “آريوس” وقال عنه: “آريوس كان مفعماً بالمحبة وهو حاول تخليص المسيحية من اعتقادات المصريين القدماء الذين كانوا يعتقدون ان الخالق ثالوث إلهى وهو إيزيس وابنها حورس وزوجها اوزيريس التى  انجبت منه طفل دون مضاجعة جنسية فهل يصح ان نبعث ديانة قديمة ولايصح ان نقول عن الخالق انه ثالث ثلاثة بل هو رب واحد لاشريك له في ألوهيته وهذا بالضبط مااراده آريوس ان تكون المسيحية للرب وحده”

ولم يعد هناك ادنى شك ان هذه الانحرافات الفكرية التى زرعها كل من فيلون وتأثر بها اوريجانوس وتبعه فيها كل من آريوس ونسطور نشرت العديد من المذاهب الشبيهة بالمسيحية في الجزيرة العربية والشام والعراق وهي الآريوسيين والنسطوريين والأبيونيين والنصرانيين وغيرها وكلها زرع ابليس لكي تدفع البشر الى رفض الاعتقاد في ألوهية المسيح واعتباره نبياً صالحاً او انساناً حل فيه روح الله واعطاه من صفات الآلهة وحتى نفس الالفاظ التى استخدمها محمد نشأت من كل هذه الطوائف التى زرعها فلاسفة اسكندرية وانتقلت للقسطنطينية والشام والعراق والجزيرة العربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *