وجدي غنيم في صحبة اصدقاءه في النمسا

تم نشره في 27 مارس 2011

هل يمكن ان نطلق على دعاة الكراهية والتطرف أنهم “إرهابيين”؟ وهل يجب محاكمتهم وسجنهم وحسابهم على مايقولون؟ أم أن هذا يدخل في إطار “تقييد حرية التعبير عن الرأي؟

بقلم: وجيه فلبرماير

لكي نجيب على هذا السؤال، لابد أن نعرف من هم دعاة الكراهية والتطرف، ولكي نفهم معنى الكراهية لابد أن نفهم أولاً معنى التسامح، فالتسامح يتطلب منا أن لا نكون مدققين وقساة في الحكم على الآخر وفكر الآخر لأن كل إنسان له ضعفاته ولو سرنا في الحياة بمبدأ التسامح وروح التسامح مع من يختلف معنا سواء دينياً أو فكرياً لهدأت الحياة وأصبحت أجمل

بالطبع ليس المطلوب منا أن نتسامح مع المجرمين والخارجين عن القانون وإلا أصبحت الدنيا فوضى ومرتعاً للقتلة ولكن المقصود هنا هو وجود مساحة كافية من التسامح بين أصحاب الأفكار المختلفة والإنتماءات الدينية والسياسية والعرقية المختلفة، لكي يتعايشوا معاً دون أن يكره أحدهم الآخر وجدي غنيم ضيف مرحب به دائماً في اليمن

إذن أي فكر أو محاولة من إنسان أو مجموعة لإستعداء الناس على بعضهم البعض أو دفعهم لقتل وإيذاء بعضهم البعض بسبب الفكر أو الإنتماء الديني أو السياسي أو العرقي يعتبر “دعوة للكراهية” ودعوة للفتنة بين الناس وهي جريمة يجب أن يعاقب عليها الشخص او الجهة التي تتبناها

يبقى هنا أن نفهم ماهو الفرق بين “النقد” و ” الدعوة للكراهية” ، لأن الكثيرين يحاولون “بخبث” وصف “النقد” بأنه دعوة للكراهية، حتي يتم إسكات أصوات معارضيهم أو منتقديهم وإرهابهم وتخويفهم ، سواء كانوا أحزاباً أو جمعيات أو أفراداً من الصحفيين والأدباء والمبدعين، محاوليين سحب حق الأنسان في أن ينتقد السلوكيات الخاطئة دون التعرض أو السب للأشخاص أو التعرض للأمور الشخصية

وقد تكون هذه مشكلة صعبة بالنسبة للمجتمعات العربية والإسلامية بالذات فيما يتعلق بنقد رجال الدين والدين نفسه، فإذا وصل النقد إلى حد نقد الدين نفسه أو رجل الدين أو سلوكيات مجموعة دينية معينة ، يترتب على ذلك وصف الشخص الناقد بأنه عدو الدين ويستحق القتل، بل ويمكن أن يصل الأمر لقتل الأشخاص الذين يغيرون دينهم. والنظر إلى المخالفين في الملة بأنهم أعداء وعملاء وجواسيس ويجب معاملتهم معاملة العبيد الأذلاء وليس كمواطنين أحرار

التكفير أي وصف الآخر بالكفر، من هنا تبدأ كراهية الآخر لأنه مختلف في الديانة والعقيدة، تبدأ بوصفه بأنه “كافر” وعندما تعتقد داخلك أن المخالف لك في الدين كافر بينما أنت مؤمن ، تبدأ الكراهية داخلك وكأنك تريد معاقبة هذا “الكافر” فتعامله معاملة دونيه وتبخل عليه بحقوقه في الحياة أو تعطي له حقوق أقل من المؤمن ، هذا هو بداية الطريق للكراهية الدينية. والتي تمتلئ بألغام العنف، مثل عدم الثقة في الآخر ، ووصم الآخر بأن نصيبه نار جهنم ، وأنه مستحق غضب الله، ومن الممكن أن تصل هذه الكراهية بإهدار دم الكفار أي المخالفين في الديانة

ماذا تتخيل إذن من الأئمة الذين يكفرون المسيحيون واليهود ويهدرون حقهم في الحياة وحقهم في الحرية سوى أنهم سوف يغذون عقول مستمعيهم على الكراهية التي قد تصل إلى حد إهدار الدم والإيذاء بغير المسلمين، أو حتى بالمسلمين الذين لهم مواقف معارضة، وهنا يجب أن نفهم أن “جريمة المحرض” هي أفظع من “جريمة القاتل” لأن المحرض يحرض مئات الآلاف من الناس ويغذي عقولهم بفكر القتل والإجرام

كلنا نعلم أن نضال مالك من أصل فلسطيني الذي قتل 13 زميل له في قاعدة فورت هود في تكساس، قام بفعلته بعد فتوى من الشيخ اليمنى “أنور العالقي” وأن “فرج فودة” قتل بعد أن أصدر الشيخ الغزالي فتوى بإهدار دمه وأن نجيب محفوظ تعرض لضربة سكين كادت تقتله وهو رجل عجوز مسكين من شاب متشدد بعد ان صدرت فتوى بقتله بسبب رواية أولاد حارتنا

والعالم كله الآن يعلم جيداً شرقاً وغرباً من هم دعاة الكراهية وماهو الإجراء المناسب معهم ، فكل يوم نسمع عن طرد إمام للكراهية من أوربا وأمريكا واستراليا وكندا وحدث أنه في سنوات قليلة قامت فرنسا بطرد 28 إمام مسجد، لأن الأجهزة الأمنية والأحزاب السياسية في هذه الدول عرفت جيداً ما هو الخطر الذي يترتب على ترك “إمام” ينشر فكر الكراهية والعنف داخل المجتمع ويحاول بأفكاره الشاذة عزل الجاليات العربية والإسلامية بالكامل عن مجتمع يعيشون فيه هم وأولادهم وقد يكون أيضاً أحفادهم ولذا لا نستغرب إذا قامت أكثر من دولة بطرد الداعية المتطرف “وجدي غنيم” فهو دعا لكراهية المسيحيين واليهود وإعتبارهم كفرة ومشركون وطالب بأن تلزم الدول الإسلامية الأقليات المسيحية بدفع الجزية وهم “أذلاء” وطالب بمنع المرأة من العمل ، وأن يقوم الأباء بختان بناتهم، وأن تظل الزوجة في البيت تربى الأولاد وتطبخ لزوجها وتنظف المنزل لأنهن ناقصات عقل ودين، بل ويطالب المسلمين بعدم الرضوح إلى الولاة غير المسلمين، ومدح هذه الأمور واعتبرها أوامر إلهية وادعى أنها مدعمة بآيات من القرآن الكريم

بعد أن أنكشف أمر هذا الداعية وظهرت حقيقته، وبعد أن أساء استخدام الحرية التي منحتها إياه الدول الديموقراطية ، وبعد أن أنتشر فكره المدمر وسط الشعوب ، وتم تسليط الأضواء على سقطاته وظهرت الأشرطة المختفية ، إذا به يتعالي على الإعتذار والإعتراف بالخطأ ، وظل يلف ويدور حول الأحداث ويلوم الآخرين على كشف فكره المريض ولا يلوم نفسه على مافعله بل يزيح الخطأ على الآخرين قائلاً: “إذا كان خطئى في معلومة مغلوطة وصلتني فلينبهنى إخوانى وأحبابى فى حينها ولا يتخذونها عثرة يطعنوننى بها ويحاربون بها دعوة الله

وهنا نستطيع أن نفهم أن شخصية “دعاة الكراهية” عنيدة ومغرورة لا ترضى الإعتذار حتى لو ثبت الخطأ عليها تدعى أنها “لم تقل هذه الجمل” أو أنها معلومة خطأ وصلته من الآخرين أو أن الآخرين هم الذين أخطأوا لأنهم يتصيدون له أو يعتذر إعتذار “وقح” ويقول: لو أخطأت عن غير قصد فإني اعلن آسفي

ثم بعد ذلك يبدأ “إمام الكراهية” لعب دور الضحية المسكينة مع أن أنيابه ملوثة بدماء الآخرين، فيقول للناس أنه مضطهد لأنه داعية إلى الله ورسوله، ولأنه تمسك بتعاليم الدين، وأن العلمانيين والشيوعيين والصهاينة والملحدين والأمريكان والعملاء (القائمة لا تنتهي) وشوا به وأوقعوا به في التهلكة، بل ويستمر في التهديدات بأنه سينتقم وسيفعل ويفعل ويقيم الدعاوى ضد الأعداء. ولكنه لا يواجه كلامه مرة واحدة ويعترف أنه قاله في حالة وعي كامل وهو مسجل وهو حقيقة واقعة. ومن الأفضل أن يقول نعم أنا قلت كذا ولا أعتذر عنه واتحمل المسئولية كاملة أو أنا اخطأت فيما قلته واعتذر عنه. أما أن يقول .. ماشفتش وماخدتش بالي .. وماحصلش … يؤكد أن هذا الداعية مستمر في طريقه للكراهية والتكفير

ونطرح على الجالية العربية في النمسا تساؤلات نرجو أن تتضح لنا إجابتها، هل الجالية تؤيد دعاة الكراهية؟ وهل يقيم بعض أفرادها الصلاة خلفهم؟ ، أم أنهم ضد فكر الكراهية وضد دعاة الكراهية؟. أم أنهم يظهرون أمام المجتمع النمساوي أنهم ضد دعاة الكراهية بينما يبطنون داخلهم تأيداً لهم؟ ، أم أنهم يتحدثون مع بعضهم البعض يمجدون دعاة الكراهية ويتحدثون للمجتمع النمساوي يلعنون دعاة الكراهية أو يصمتون عنهم ولكن في قلوبهم يفضلونهم

بالطبع لن يتطوع أحد بالإجابة على هذه التساؤلات، لأن دعوات هذا الشيخ للكراهية والتكفير لأصحاب العقائد الأخرى وربط المرأة بالأطفال والمطبخ في المنزل وإكراه الأقباط على دفع الجزية وهم صاغرون هى في نظر البعض تعتبر من صحيح الدين وتستدعى أن يطلق عليه “فضيلة الشيخ الداعية الأستاذ وجدي غنيم” ولكنهم لولا أنهم يعيشون في مجتمع علماني كافر (حسب مايعتقد هذا البعض) لحملوا مكبرات الصوت في شوارع فيينا ونادوا بنفس الأفكار ونفس الدعوات التي يقولها وجدي غنيم في العلن وبالإنترنت

قام الداعية الشيخ “استاذ التكفير” وجدي غنيم في 1 ديسمبر 2005 بزيارة المجمع الإسلامي الثقافي والذي يحمل إسم “جمعية دعم التبادل الثقافي والإندماج ” Verein zur Förderung des kulturellen Austausches und der Integration وألقى وجدي غنيم خطبة الجمعة في مسجد الهداية في الحي الثاني بالعاصمة النمساوية فيينا ويحمل إسم “الاتحاد الإٍسلامي في النمسا ” Islamische Vereinigung in Österreich ويرأسه جمال محمد مراد وشارك في الملتقى السنوي الـ 15 لرابطة فلسطين بالنمسا واحتفت به الجالية العربية والإسلامية وكذلك فتحت مواقع الإنترنت الإسلامية المصرية صفحاتها لتغطية الزيارة مثل موقع رمضان وموقع ايمن وهدان ونشرت تفاصيلها والتسجيلات الصوتية لخطب الشيخ غنيم ولقاءه مع الجالية التي استقبلته استقبالاً حافلا

وعندما نشرت يورو عرب برس خبر قرار النيابة بأمر القبض علي وجدي غنيم في مايو 2010 لتورطه في تمويل التنظيم الدولي للإخوان، فوجئنا بأن الذين احتفوا بالشيخ في مواقعهم الإسلامية حذفوا فجأة تفاصيل هذه الزيارة من صفحاتهم وحذفوا الصور وتسجيلات الفيديو الديجتال التي كانت في هذه الصفحات وكل الأخبار التي تتعلق بهذه الزيارة ، ولكننا نحتفظ بها كلها موثقة بالكامل

فهل يعتقد من يمجدون شيوخ الكراهية والتكفير أنه بحذفهم هذه المواد الصحفية من صفحاتهم يثبتون حسن نواياهم وأنهم يستطيعون ان ينالوا احترام الناس بإستبدال المحتوى القديم بمحتوى جديد؟ فهل مسألة مراجعتهم للمادة الصحفية المنشورة التى تمجد شيوخ الإرهاب تتم بعد مخاوف أمنية ومخاوف من السلطات الأمنية؟ أم أنها تتعلق بالمبادئ والقيم وإحترام الأنسان لأخيه الإنسان المخالف له في العقيدة والتي تعتبر اساس الإيمان بالله والإيمان بالحق والعدل؟

إن القضية ليست قضية نص تم اضافته أو حذفه يهاجم فيه المتطرفون “المسيحيون” أو “اليهود” أو “الصليب” أو “العلمانيين” أو التمسح في “منظمة مسيحية مغمورة” أو “شخصية مسيحية تقودها” من أجل التبرئة وإظهار حسن النوايا، انها قضية أكبر من كل ذلك ، إنها ليست قضية “سهو” أو “هجوم غير مقصود” أو مجرد “مراسل أو كاتب ماخدش باله …” ، إنها قضية “مجموعة إرهابية” تكره أصحاب العقائد الأخرى في عمق عقلها وقلبها بناء على “فكر التكفير” و “فكر الكراهية” وفكر “تشريع إهدار حق الآخرين في حياة كريمة” ، هذه الأمور ليست “خطأ يتطلب الإعتذار” ولكنها “خطر يستحق المواجهة”، خطر “يهدد حياتي وحياة كل انسان يريد أن يحيا في مجتمع حر متسامح” ، فكيف تعيش في مجتمع يوجه لك إتهام “أنك كافر ومشرك وعليك أن تدفع الجزية وأنت ذليل” هل تشعر بالأمان والإطمئنان ثم تنام هادئ البال؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *