إبنة الدكتورة بنت الشاطئ في حوار بلا شواطئ

قام بإجراء الحوار : وجيه فلبرماير

تاريخ النشر الأصلى في جريدة القاهرة المصرية في 29 مايو 2001

تعريف بالسيدة أديبة الخولى كريمة الدكتورة بنت الشاطئ

من مواليد 1946 دخلت المدرسة وسنها أربعة سنوات وتعلمت في مدارس حكومية حيث كان الأب الأستاذ أمين الخولي يرفض دخول الأبناء للمدارس الأجنبية رفضاً باتاً

لكن من ناحية أخرى أحضر لهم مربية نمساوية لأنه كان حريصاُ أن يعلمهم اللغة الألمانية، لأنه كان يفضل الثقافة الألمانية، ونشأت الأستاذة أديبة الخولي مع أخوتها أمنية وأكمل يتكلمون الألمانية في المنزل مثل العربية، وحصلت على الثانوية بتفوق ودخلت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، ثم عملت بالإذاعة في البرنامج الأوربي لمدة سنة ثم بعدها غادرت مصر لتعيش في أوربا ”

تعريف بالدكتورة بنت الشاطئ (عائشة عبد الرحمن)

اسمها الحقيقي الدكتورة عائشة محمد على عبد الرحمن واختتمت حياتها الزاهرة بالعمل كأستاذة متفرغة بالجامعة، وأما اسم بنت الشاطئ يرجع إلى الاسم الذي أطلقته هي على نفسها كلقب للكتابة في الصحف حيث كتبت أول مقالاتها عام 1935 في مجلة النهضة النسائية ، وحيث كتبت أول مقال في الأهرام عام 1936. ولماذا بنت الشاطئ بالذات ؟ قالت د. عائشة عبد الرحمن “كانت ذكري لجدتها لأمها التي أحبتها جداً وماتت غريقة ” ولدت بنت الشاطئ في 6 نوفمبر عام 1913 بمحافظة دمياط ورحلت عن عالمنا في 1 ديسمبر عام 1998.

حصلت على شهادة كفاءة للمعلمات عام 1929 وليسانس في اللغة العربية عام 1939 ثم حصلت على الماجستير عام 1941 والدكتوراه في عام 1950، وعينت أستاذ كرسي ورئيس قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية كلية الاداب جامعة عين شمس وكانت أستاذا زائراً لجامعتي أم درمان والخرطوم والدراسات العليا في جامعة القرويين بتونس وأستاذ للتفسير بكلية الشريعة في فاس بالمغرب .وإذا أردنا الحديث عن مؤلفاتها ودراساتها وأعمالها الأدبية وبحوثها المنشورة فسوف نحتاج إلى كتب كثيرة ، وأما عن الجوائز فإنها حصلت على عشرات الأوسمة والجوائز أهمها جائزة الدولة التقديرية في الأداب عام 1978 ووسام الكفاءة الفكرية من المغرب عام 1967 وجائزة الأدب من الكويت عام 1988 وجائزة الملك فيصل للآداب والدراسات الإسلامية في أبريل عام 1994 .

مقدمة الحوار

إن حياة المفكرة الإسلامية والعالمة الجليلة الدكتورة بنت الشاطئ كانت نموذجاً للشمعة التي انصهرت لتضئ الطريق للكثيرين ، وكانت في حياتها ومماتها عبرة ودرس لكل إنسان يبحث عن الحقيقة ، أطلق عليها الكثير من الصفات والألقاب مثل رائدة الفكر الإسلامي وصاحبة الدعوة المستنيرة ومعلمة الأجيال وشاهدة على العصر وزاهدة العصر، وبلاد أدنى شك احتلت بنت الشاطئ مكانة رفيعة المستوى بين كبار المفكرين العرب، وكانت مدرسة فكرية أنجبت تلامذة صاروا علماء ، وبعد رحيلها كتبت في سجل الخالدين ، وفي جنازتها إكتظ مسجد رابعة العدوية بالذين وفدوا لأداء صلاة الجنازة وكانت جنازة تليق بمقام عالمة إسلامية كبيرة لا يمكن أن يجهل أحد فضلها في علوم الدين، إنها بنت الشاطئ أدخلت المسلمين إلى بيوت النبي بقلمها

نص الحوار

عندما سألت الإبنة أديبة الخولي المقيمة في فيينا عن عملها كمدرسة للأدب الإسلامي في جامعة فيينا كما نشرت بعض الصحف المصرية أجابت :

حكاية إن أنا مدرسة للأدب الإسلامي في جامعة فيينا معلومة خاطئة ، أنا حقيقة خريجة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة ، وأدرس اللغة العربية منذ 26 عاماً كلغة غير أساسية في جامعة الاقتصاد بفيينا وهذا ليس له أي علاقة بالأدب الإسلامي الذي لم ادرسه ولا أدرسه، كما أنني عملت بالسفارة المصرية بفيينا 8 سنوات أترجم مقالات الصحف النمساوية باللغة العربية أو التعليقات والردود السياسية، في عهد السفير طاهر شاش

لو رغبت الصحافة أن تسلط الأضواء على السيدة أديبة الخولي فما هي الأسباب الأخرى غير أنها ابنة المفكرة الإسلامية ذائعة الصيت والشهرة في العالم العربي الدكتورة بنت الشاطئ؟

ليس هناك أي سبب سوى أني واحدة من العدد الكبير للمغتربين وكل واحد فينا له قصة خاصة وتجارب يمكن أن تفيد الآخرين خاصة الذين يعيشون في مصر ليعرفوا الظروف التي نمر بها

هل هذا نوع من التواضع؟

لأ لا تواضع ولا حاجة

لماذا تركتي شارع أمين الخولي بمصر الجديدة للإستقرار نهائياً في عاصمة الموسيقى فيينا؟

أولاً من وأنا طفلة وأنا أحب فيينا جداً ، ووالدي كان بيأخدنا النمسا كل سنة ، فكنا بنزور النمسا في سن مبكرة جداً ، وطول عمري بأحب فيينا وأحس إنها بلدي، وحتى اللغة واللهجة النمساوية مش غريبة ومتعودة عليها ، وكانت بداية إستقراري هنا هي سفري مع أمينة أختي في بعثة الدكتوراة للنمسا، ولأن أحوالها الصحية كانت غير مستقرة إقترحت علي والدتي مرافقتها في البعثة، وبعد حصولها على الدكتوراة هي رجعت وأنا ما رجعتش ، لكن مازلت أحتفظ بشقتي في شارع أمين الخولي

لكنك عكس والدتك رحمها الله كانت تخشى الإغتراب؟

هي كانت لا تحب الاغتراب في أوروبا ، لكن كانت بتحب البلاد العربية و لا تعتبر سفرها وإقامتها فيها اغتراب، وكانت تقضي معظم وقتها في المغرب، ومنذ منتصف السبعينات حتي قبل الوفاة بثلاثة أسابيع كانت بشكل متكرر تزور المغرب، الذي كان بالنسبة لها كالوطن الثاني، وقبل ذلك أقيمت في السودان فترة طويلة وقامت بالتدريس في السعودية

وما هي الإختلافات الواضحة بينك وبين الدكتورة بنت الشاطئ؟

إختلافات كبيرة قوي في الشخصية ، يمكن أنا ورثت من والدتي المثابرة والاهتمام الشديد بالكتب والقراءة والثقافة ، أما إهتمام والدتي الشديد بالحياة العامة لم يسعدنا ، وكنت أنا وأخوتي نفضل العزلة والبعد عن الحياة العامة لنيعش حياتنا الخاصة سعداء

ألم يكن زواجك من نمساوي سبب خلاف أيضاً؟

أكيد بالطبع ، ومنذ زواجي لم تأتي للنمسا أبداً

ماهو السبب وماذا كانت وجهة نظرها؟

هي كانت معترضة على زواجي من أوربي مع أن مربيتنا وأمنا البديلة كانت نمساوية ، وكان تأثيرها علينا قوي من الطفولة وهذا كان أمر طبيعي بالنسبة لي أن أتزوج نمساوي

هل زوجك النمساوي مسلماً؟

طبعاً دخل الدين الإسلامي ، وإلا لم نستطيع الزواج ، وكان أخي أسامة الأستاذ في جامعة الخليج شاهداً على زواجناً، أما والدتي كانت غير سعيدة بهذا الزواج ،وأنا أرى أن ذلك متناقض لأنه وبالرغم من أن أمي من جهة لم تسمح لأحد أن يتدخل في حياتها الخاصة ، ولا في حياتها عموماً ، وشقت طريقها بنفسها رغم كل المصاعب والعقبات بدليل أنها دخلت الجامعة في وقت كان صعب على البنات ، إلا أنها من جهة أخرى كانت تريد من بناتها أن تكون في صورة معينة من بنات المجتمع المصري والإسلامي التي تريدها ، ولا نسير في طريق غريب عنها أو نقوم بعمل أي شئ غير معتادة عليه

هل تعنين بهذا التناقض هو ربط حياتكم الخاصة كأبناء بحياة الأم العامة؟

طبعاً ، وكانت تعتبر زواجي من أجنبي وصمة بالنسبة لها

هل كان ذلك يمثل قيود بالنسبة لكم كأبناء؟

لأ أنا كنت متزوجة وأعيش هنا في النمسا بعيد، لكن أخوتي لم يتزوجوا

لقد تربت الدكتورة بنت الشاطئ وفقاً لتقاليد صارمة من أبيها ، فهل إستطاعت أن تستقل من تسلط الرجل حينئذ ؟

ماما إستقلت جداً بدليل أنها خرجت عن جميع القيود الموجودة فعلاً ودرست الثانوية العامة من منازلهم، وإستطاعت أن تدخل الجامعة في وقت لا تدخل فيه البنات الجامعة أصلاً، فهي حطمت حواجز البنات لجيلها والجيل التالي ، لم تخضع أبداً لقيود الرجل ، وهي تزوجت أبي وكانت الأسرة ضد هذا الزواج لأنه كان متزوجاً ، ولكنها صممت على الزواج

ولو كنت أقصد في سؤالي الإستقلال عن الرجل من الناحية الفكرية؟

طبعاً استقلت إلى حد كبير فكرياً ، لكن فيكانت خاضعة لأبي طبعاً ومطيعة له ، وهو كان الآمر الناهي ، وذلك راجع إلى إعجابها الشديد بشخصيته

في حوارها الأخير مع جريدة الأهرام قالت د. بنت الشاطئ لا أستطيع أن أربي إبنتي كما ربتني أمي فهل كانت الوالدة صارمة أم متساهلة معكم؟

ولا كانت صارمة ولا محافظة ، ولم يكن لديها الوقت الكافي لتربيتنا، وكانت تقوم بهذه المهمة المربية، وبصراحة تأثيرها علينا كأم كان ضعيف

كل منا يتأثر بإيجابيات وسلبيات والديه، فكيف كان ذلك مع السيدة أدبية الخولي؟

حقيقة أنا تأثرت بالجو العلمي والثقافي الذي نشأت فيه ، وحتى عندما تزوجت نمساوي تزوجته يعرف العربي الفصيح أفضل من العرب أنفسهم ، بل ومن النوع الذي يهتم بالثقافة والعلم جداً، وحبي الشديد للكتب أصله البيت، وجو البيت الهادئ كان يشجع الواحدة على تنمية الهوايات والمواهب

وماهو سر حب الزوج للغة العربية والثقافة العربية؟

هو مهندس إلكترونيات ودارس للرياضيات وعندما تعمق في تاريخ الرياضيات بدأ اهتمامه بالعرب وعلماء العرب في الرياضيات في زمن العصور الوسطى

سألتها مازحا : معني ذلك أن العلماء العرب لهم الفضل في زواجك؟

قالت لي وهي مبتسمة ” لهم الفضل في إهتمامات زوجي الشخصية

نعود لموضوعنا الأساسي وهو تأثير الوالدين على الأبناء ، وحضرتك تحدثت عن الجانب الإيجابي فقط فما هي السلبيات
السلبيات هي إحساسنا الدائم بأننا غرباء سواء في المجتمع الشرقي أو المجتمع الغربي، فوالدي ربانا على المواعيد الصارمة والدقة الشديدة، فكنا بالنسبة للمصريين حاجة شاذة، فمواعيدنا كانت بالدقيقة ونأكل بالثانية، ومن ناحية أخرى أشعر في النمسا أكثر بأنني مصرية ، في الحقيقة أن أبي كان مهتم جداً بتربيتنا جداّ وكان شبه متفرغ لذلك

هل كانت الوالدة منشغلة ومكرسة وقتها للدراسات والسفريات؟

نعم الدراسات والقراءة لكن السفر جاء بعد وفاة والدي ، هي والدتي كانت موجودة في البيت لكن غير موجودة معنا بل مع الكتب في المكتبة

كانت الدكتورة بنت الشاطئ تقول أن المكتبة والكتاب هي الوطن الذي لا تشعر فيه بالغربة فهل عزلتها الكتب عن الأسرة؟
نعم هذا صحيح ، وليس فقط الأسرة بل الأصدقاء أيضاً

لقد مرت الأسرة بظروف وأحداث صعبة فهل تسمحين لي بالسؤال عنها؟

بالطبع

كانت والدتك مصباحاً مضيئاً لكثيرين ، ورغم ذلك كانت تجلد الذات في أحاديثها عن فقدان شقيقك أكمل وشقيقتك الدكتورة أمينة ، هل هذا شعور بالذنب؟
والدتي كانت متفرغة لعملها والكتب ، ولم تركز اهتمامها على المشاكل التي يمر بها أشقائي ، كانت في شبه تفرغ كامل للكتابة ، لم تشعر بأزمات أكمل وأمينة النفسية، التي تدهورت شيئاً فشياً

هذا يعنى أنه كان فعلاً إحساس بالذنب؟

أيوه طبعاً ، وكنت أحياناً أواجهها بهذا الأمر

وهل كان ذلك يسبب مشادات بينكما؟

بالعكس كانت تتأثر جداً ، وكانت تحزن ، وعند لومي لها ، كانت تقول لي أنتم ضحايا العلم

هل قالت ذلك قبل فقدان أشقائك أم بعد ذلك؟

بعد ذلك بكثير وقبل وفاتها أي في السنين الأخيرة

هل تعتقدين أن النجاح في الحياة العامة من السهل أن يكون متوازي مع النجاح الحياة الأسرية أم أنه قد يكون السبب في فشل الحياة الأسرية؟

النجاح في الحياة العامة عندماً يزيد عن حده كما حدث مع والدتي يستحوذ على حياة الإنسان ويجعله غير سعيد في الحياة الأسرية ، لأن الحياة الأسرية تحتاج وقت لتجلس مع من تحبه لتحس مشاكله وتفهمه ، فمن أين تأتي بالوقت وأنت منشغل في أمور أخرى ، أمي كانت تجلس أغلب الوقت في المكتب

بعد رحيل الدكتورة بنت الشاطئ إتصلت صحفية شابة بجريدة الأهرام لأنها تريد الحديث إليها حول الموضة والأزياء الحديثة، وهل هي مناسبة للمتحجبات؟ ما هو تعليقك؟

نعم قرأت في بريد الأهرام عن هذا الحدث ، إستغربت على هذا الجهل العجيب

ولكن الدكتورة بنت الشاطئ لم تحقق شعبية كبيرة مثل الشيخ الشعرواي في تفسير القرأن الكريم والدراسات الإسلامية ؟

قد لا يكون لها شعبية في الجيل بتاعكم لكن على أيامي كانت مشهورة قوي، لما كنت أنأ وأخوتي في المدرسة وأمشي في الشارع، كانت الناس تشاور علينا وتقول أبناء بنت الشاطئ. وشعبية الشيخ الشعرواي لأنه بيطلع في التليفزيون، وأما والدتي كانت لا تهتم بمسألة التليفزيون

ومارأيك في القول أن الكاتبات التي تنادي بتحرير المرأة مثل نوال السعداوي وتوجان الفيصل حققت شعبية أكبر ؟

طبعاً هؤلاء جيل آخر ، ووالدتي حررت نفسها لكن لم تنادي بتحرير المرأة ولم يكن هذا الموضوع محور اهتمامها، كان اهتمامها في المقام الأول بالعلم وليس بالتغيرات الاجتماعية

ما هي طموحات وهوايات السيدة أديبة الخولي؟

ما فيش طموحات فوق العادة ، حياة عادية والتمتع بالحياة الأسرية كما أنني أحب المشي والموسيقى والقراءة والتدريس للغة العربية

هل لك صديقات نمساويات ؟
لي صديقات كثيرات من النمسا والأصدقاء العرب قليلين

من أين جاء إختلاف شخصيتك عن الأم الدكتورة بنت الشاطئ؟
تأثير الأب علينا كان أكبر ، والدليل على ذلك أن كثير مما في شخصيتي قاسم مشترك بيني وبين أخوتي غير الأشقاء، فأنا أقرب لهم في تفكيري وأسلوبي ، وكأن أبناء أمين الخولي هناك شئ ما يجمعهم

ألم يكن قرار الهجرة للنمسا صعب؟
لم يكن صعباً كثيراً فكما قلت مربيتي نمساوية ، وكانت زياراتي المتكررة لها وأنا طفلة سبباً في عدم الشعور بالغربة

قد يكون تعودك على استقلالية قراراتك هو أيضاً عامل مشجع على الهجرة؟

هذا أيضاً عامل هام

شكرا لك على هذا اللقاء الذى كشف لنا جوانب جديدة من حياة الدكتورة بنت الشاطئ ومن حياتك الشخصية
وانا اشكرك ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *