إخوان تونس… انطلاق المحاسبة والاعتقالات متواصلة

تشهد تونس حملة اعتقالات واسعة شملت الرجل الثاني في حركة النهضة الإخوانية وعقلها المدبّر نور الدين البحيري، ونجله الأكبر، إضافة إلى الناشط السياسي خيام التركي، والبرلماني السابق وليد جلاد وعبد الحميد الجلاصي القيادي الإخواني والبرلماني الأسبق عن حركة النهضة، ورجل الأعمال كمال لطيف المعروف بنفوذه السياسي، والمحامي لزهر العكرمي، وفوزي كمون المدير السابق لمكتب راشد الغنوشي.

كما شملت الاعتقالات سمير كمون أحد موردي الزيوت النباتية، وفوزي الفقيه، وهو أكبر مورِّد للقهوة في تونس، والأخيران متهمان بالمضاربة والاحتكار، وسامي الهيشري المدير العام السابق للأمن الوطني، وعاطف العمراني المدير العام الأسبق للمصالح المختصة بوزارة الداخلية، وذلك على ذمة الأبحاث المتعلقة بما عرف إعلامياً “بالغرفة السوداء” ووكيل النيابة السابق القاضي البشير العكرمي الذي كان مكلفاً بملف اغتيال المعارضين السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، ورئيس محكمة التعقيب السابق الطيب راشد، ومن قبلهم قيادات ائتلاف الكرامة، بالإضافة إلى تداول أسماء رجال أعمال ونشطاء، من دون توضيحات من السلطات عن التهم الموجهة إلى هؤلاء والرابط بينهم، وطبيعة القضايا والتزامن في التوقيفات.

الرئيس التونسي قيس سعيّد، في تعليقه على حملة الإيقافات، تحدّث خلال اجتماعه بعددٍ من القيادات الأمنية بمقرّ وزارة الداخلية، عن تورط الموقوفين في التآمر على أمن الدولة، ومحاولة قلب نظام الحكم، وفي أزمة فقدان السلع والترفيع في أسعارها، داعياً إلى ضرورة المحاسبة، وتطبيق القانون لحماية الدولة.

وأكّد سعيد أن “أن الواجب المقدس يقتضي اليوم حماية الدولة والوطن من الذين لا همّ لهم إلا السلطة والمال، ولا يتورعون عن الارتماء في أحضان أي جهة أجنبية”، مضيفاً بأن الكثيرين “حاولوا تفكيك الدولة، ويحاولون اليوم بكل الطرق تأجيج الأوضاع الاجتماعية لبلوغ مآربهم المفضوحة، وذلك بمزيدٍ التنكيل بالشعب في معاشه، وفي حياته اليومية”.

القيادي بحراك 25 جويلية (يوليو) عبد الرزاق الخلولي أكّد في تصريحٍ أدلى به إلى “كيوبوست” أنّ الاعتقالات الأخيرة في صفوف قيادات من تنظيم الإخوان، ورجال أعمال، هي بداية المحاسبة مضيفاً بأن “الاعتقالات الأخيرة توفّرت حولها العديد من المعطيات والتقارير الأمنية التي تشير إلى وجود تآمر على أمن الدولة، والعمل على إسقاط الرئيس قيس سعيد، والانقلاب عليه وعزله، عن طريق تأجيج الاحتجاجات الشعبية بعد رفع الأسعار وشح المواد الأساسية من السوق”.

وأشار الخلولي إلى أنّ الاعتقالات ما زالت متواصلة، وستشمل أعداداً كبيرة حيث توجد عصابات ولوبيات ذات مصالح مشتركة، ثبت بالحجة أنّ هناك اتصالات فيما بينها، كما أنّ هناك مخططاً للتآمر على أمن الدولة، والانقلاب على الرئيس قيس سعيّد.

وبحسب القيادي بحراك 25 يوليو أن هذه الموجة من الاعتقالات شملت هذه المرة الأيادي القوية التي تمكنت من الإفلات من المحاسبة على مدى العشرية الفارطة، وظلت ترتع في ظل الأيادي المرتعشة التي كانت تحكم البلاد. “اليوم توفرت الجدية ونظافة اليد والحس الوطني أمام الجرائم المتواصلة في حق الوطن والشعب والمخططات التآمرية والأعمال التحضيرية التي كشفتها الأجهزة الأمنية، والقضاء هو الفيصل”، يضيف الخلولي.

وأضاف أنّ هذه الاعتقالات تمت في إطار مطلبٍ شعبي تمثَّل في المحاسبة، وهي أهم أهداف مسار 25 يوليو، داعياً إلى ضمان المحاكمة العادلة للموقوفين. وأكّد أن مسار 25 يوليو لم يكن عبثياً أو لمجرد تغيير سلطة بسلطة، وإنما بقيادة رئيس جمهورية شرعي، وعد شعبه بالإنقاذ وتحرير مؤسسات الدولة من براثن الإخوان الذين حاولوا إضعافها واستولوا على جميع مفاصلها ومدخراتها وأخضعوها لمصالحهم الخاصة.

نور الدين البحيري العقل المدبر لإخوان تونس

وبحسب الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، محمد صالح العبيدي، فإن محاسبة حركة النهضة وحملة الاعتقالات الواسعة التي شملت أبرز قياداتهم، مطلب شعبي بعد أن تقاطعوا مع الإرهاب وتورطوا في تسفير آلاف التونسيين إلى بؤر الإرهاب إضافة إلى علاقتهم بالاغتيالات السياسية التي شهدتها تونس واستهداف الأمنيين وعمليات ذبح الجنود خلال فترة حكمهم. ويرى العبيدي، في تصريحٍ أدلى به إلى “كيوبوست”، أن توسع دائرة الاعتقالات التي شملت قضاة معفيين وقياداتٍ أمنية ورجال أعمال، مؤشراتٌ واضحة على تفكيك اللوبيات التي ارتبطت بحركة النهضة الإخوانية، وجندتهم لخدمة مصالحها الضيقة.

فاطمة المسدي النائب في البرلمان القادم اعتبرت، في تصريحٍ أدلت به إلى “كيوبوست”، أن المحاسبة هذه المرة طالت كل الفاسدين الذين أفلتوا من العقاب، وظلت قضاياهم حبيسة الرفوف في المدة الفارطة حيث تم إيقاف سياسيين بتهمة الارتشاء على غرار السياسي وليد جلاد وأعضاء حزب ائتلاف الكرامة أحد أهم أذرع حركة النهضة الإخوانية على خلفية قضية “غزوة المطار”، وخاصة الجرائم الخطيرة التي شهدتها تونس المتعلقة بالإرهاب وتحدي أجهزة الدولة.

وأضافت بأن المحاسبة انطلقت على قدم وساق فور نجاح الانتخابات التشريعية من أجل تطبيق القانون على الجميع دون استثناء، مشيرة إلى أن حملة الاعتقالات التي شملت عدداً من رجال الأعمال والسياسيين تمت بسرية مقصودة من أجل ضمان عدم تدخل أي طرف لتهريبهم، وعدم تدخل أي جهات للحيلولة دون تطبيق القانون عليهم، وهي مؤشرات على استرجاع الدولة لهيبتها وقوتها.

وبحسب فاطمة المسدي، فإن أكثر شخص يتحمل مسؤولية الخراب والإرهاب خلال العشرية الأخيرة هو نور الدين البحيري الرجل الثاني في حركة النهضة الإخوانية، خصوصاً وأن كل الجرائم المتعلقة بالتسفير إلى بؤر الإرهاب والاغتيالات وغيرها قد حصلت خلال تقلده لوزارة العدل، وحصلت خلال عهده عمليات تدليس جوازات السفر ومنح الجنسيات للإرهابيين، وعمليات الاختراق للسجون، وما انجرّ عنها من استقطاب المساجين وتسفيرهم في ما بعد إلى بؤر الإرهاب.

وترى فاطمة المسدي أن سقوط رؤوسٍ كانت متورطة في ضمان عدم محاسبة وملاحقة المشتبه بهم في قضايا إرهابية، على غرار وكيل النيابة السابق القاضي البشير العكرمي الذي أخفى أكثر من 6 آلاف ملف قضائي مكّن من الانطلاق فعليا في محاسبة نور الدين البحيري، بعد أن اعتقد لسنوات أنه فوق القانون وفوق المحاسبة.

وتختم فاطمة المسدي “تونس لم تكن تعيش ديمقراطية حقيقية، وإنما ديمقراطية مزيفة وشكلية يحكمه إخطبوط مافيوزي إخواني، بدأت أجزاؤه بالتفتت، وبدأت تونس تتخلص منه عبر المحاسبة القانونية والقضائية”.

كيوبوست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *