باكستان على حافة الهاوية

نشر موقع «ذي إنترسبت» مقالًا للصحافي مرتضى حسين، يقول إنَّ باكستان دخلت العام الماضي في مرحلة حرجة للغاية، بعد ما أدخلت سلسلة من الكوارث مثل الفيضانات المدمرة، والشلل السياسي، والتضخم المتزايد، وشبكات الإرهاب المتجددة، دولًا بثقل باكستان العالمي في أزمة شاملة.

وإذا حدث الأسوأ كما يحذر بعض الخبراء، فإنَّ هذه الكارثة التي تتكشف، ستتجاوز الحدود الباكستانية.

وقال عزيز يونس، مدير المبادرة الباكستانية في مركز جنوب آسيا التابع للمجلس الأطلسي: «هذه دولة يبلغ عدد سكانها 220 مليون نسمة، ولديها أسلحة نووية، وتشهد نزاعات وانقسامات داخلية خطيرة. العالم لم يعجبه تدفق اللاجئين والأسلحة التي جاءت من دول مثل سوريا وليبيا، لكن باكستان أكبر حجمًا وأكثر أهمية.

وأضاف يونس، وهو أيضًا نائب رئيس مجموعة آسيا، شركة استشارية إستراتيجية: «إذا ظل الاقتصاد في حالة الاحتضار، وكان هناك نقص في السلع والطاقة مما أدى إلى أزمة سياسية في شوارع المدن الكبرى، فإن ذلك سيسمح أيضًا لطالبان الباكستانية والجماعات الإرهابية الأخرى بالبدء في ضرب الحكومة مباشرة. يمكننا أن نرى ضعفًا كبيرًا للدولة وقدرتها على فرض النظام».

يشير حسين إلى أنه من الصعب المبالغة في تقدير صعوبة الوضع الحالي في باكستان، ومن المؤسف أن خلقت سلسلة من الأحداث الأخيرة مقترنة بسوء الإدارة المزمن تهديدًا مميتًا محتملًا للنظام السياسي الباكستاني.

وأشار يونس، الذي وصف الوضع بأنه أسوأ تهديد للتماسك الوطني الباكستاني منذ عام 1971 (العام الذي نالت بنجلاديش استقلالها عن باكستان) إلى أن «هناك ثلاث أزمات متقاطعة في الوقت الحالي في باكستان: أزمة اقتصادية، وأخرى سياسية، وثالثة أمنية تصاعدت منذ سقوط كابول».

ووفق ما ورد، تضاءلت الاحتياطيات الأجنبية لباكستان إلى 3.7 مليارات دولار فقط، وهو ما يكفي بالكاد لبضعة أسابيع من واردات الطاقة للحفاظ على استمرارية عمل المدن والشركات، في حين نما الدين العام إلى 270 مليار دولار. وتضررت باكستان خاصة من الحرب في أوكرانيا، التي أجبرتها إلى جانب دول نامية أخرى، على الدخول في حرب مزايدة على الغاز الطبيعي السائل الشحيح الذي لم تكن قادرة على تحمله.

وأجبر العبء الثقيل للديون رئيس الوزراء، شهباز شريف، على التوسل لصندوق النقد الدولي لاستئناف خطة الإنقاذ المالية التي عُلِّقت في أوائل العام الماضي. وقد استؤنفت المفاوضات، إذ ورد أن صندوق النقد الدولي يطالب بتنازلات مؤلمة، وهي عملية صعبة قبل الانتخابات اللاحقة المزمع إجراؤها في وقت لاحق من هذا العام.

وينوه حسين بأنَّه في غضون ذلك هناك بالفعل دلائل على أن الضغط الاقتصادي سيؤثر في أبسط احتياجات الباكستانيين. ففي أواخر يناير (كانون الثاني)، عانت باكستان من انقطاع التيار الكهربائي غير المسبوق في جميع أنحاء البلاد لأكثر من 24 ساعة، على الرغم من أن سبب الانقطاع غير واضح، فإنه قد يكون عائقًا لما ينتظرنا.

وقال يوسف نزار، المحلل الاقتصادي الباكستاني ومدير تنفيذي مصرفي سابق: «تعتمد قدرة توليد الكهرباء في باكستان اعتمادًا كبيرًا على استمرار استيراد الوقود. يمكنك أن تتخيل ما سيحدث إذا بدأنا نرى انقطاع التيار الكهربائي، أو حتى نقصًا في وقود النقل، في وقت تتعامل فيه الدولة أيضًا مع تضخم بنسبة 40%».

يؤكد حسين أن الأمر خطير خاصة بالنسبة لاقتصاد مثقل بالديون بدون قيادة سياسية قوية ونخبة «كليبتوقراطية». وبينما أصبحت الكثير من بلدان آسيا تدريجيًّا غنية ومستقرة على مدى العقود القليلة الماضية، ظلت باكستان فقيرة وتضربها الفوضى.

قال نزار: «خلال العولمة وتحرير التجارة الذي حدث في جميع أنحاء آسيا خلال التسعينيات، كانت باكستان منهمكة في صراع القوة بين النخب العسكرية والمدنية. وإن الأزمة الحالية كانت تختمر قبل وقت طويل من حرب أوكرانيا، التي لم تكن سوى القشة التي قصمت ظهر البعير في النهاية.

ولطالما تميز الاقتصاد الباكستاني بمجموعة فاسدة للغاية من السياسات المصممة لإثراء النخب المدنية، والمسؤولين العسكريين، مع إهمال الغالبية العظمى من السكان الذين يعملون في صناعات مثل الزراعة والمنسوجات. لكن يبدو أن ضخ الأموال الأجنبية التي مولت أنماط الحياة المترفة للنخب الباكستانية بدأ في النضوب.

وأعلنت السعودية، أحد المانحين القدامى لباكستان، الشهر الماضي أن حزم المساعدات المستقبلية للدول الأجنبية ستعتمد على إصلاحات السوق الداخلية، وهو تحذير واضح للمتلقين مثل مصر وباكستان اللتين تتميز اقتصاداتهما بتضخم القطاعات العامة والسيطرة العسكرية.

والتزمت الإمارات العربية المتحدة مؤخرًا بتقديم بعض المساعدة المالية لباكستان، لكن المبلغ بالكاد يكفي لتغطية واردات السلع الحيوية لبضعة أسابيع أخرى. ويضيف حسين أنَّه في غضون ذلك لم تُظهر الصين، التي تمتلك 30% من ديون باكستان، حتى الآن أي استعداد لإعادة التفاوض بشأن الشروط، بينما ابتعدت الولايات المتحدة إلى حد كبير عن المنطقة بعد خروجها المرير من أفغانستان.

كما أن علاقة باكستان بالهند، جارتها الصاعدة اقتصاديًا التي تقودها الآن حكومة قومية هندوسية متشددة، لا تُظهر أيضًا أي بوادر على التحسن. يتحدث كثير من الناس عما يميز الهند وباكستان بعضهما عن بعض من حيث مساراتهما الاقتصادية، خاصة وأن مسار باكستان حتى الثمانينيات، كان أكثر إيجابية.

قال مايكل كوجلمان، نائب مدير برنامج آسيا في مركز ويلسون: «هناك العديد من العوامل التي يمكن للمرء ذكرها من حيث سنوات السياسات السيئة، ولكن يجب على المرء أيضًا التحدث عن مسألة سيطرة النخبة. لقد بذلت الهند جهودًا لتنفيذ سياسات إصلاحية تشمل التعليم الشامل، والحصول على الرعاية الصحية. بينما في باكستان، تجاهل أصحاب السلطة ببساطة الاحتياجات الاقتصادية للشعب.

تقترن الأزمة الاقتصادية بعدم الاستقرار السياسي الذي يمكن أن يضعف سيطرة الدولة، ويجعل حكم باكستان تدريجيًّا أكثر صعوبة مع مرور كل عام.

يقول حسين إنَّه بعد إقالة عمران خان من السلطة العام الماضي، خلال صراع مع أنصاره في الجيش الذي زعم أنه مؤامرة بقيادة الولايات المتحدة، نظم عمران خان تجمعات حاشدة تهدف إلى إعادة تنصيبه رئيسًا للوزراء. ووسط موجة من الاغتيالات، والاعتقالات لحلفائه وأنصاره، أصيب خان نفسه في محاولة اغتيال في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عندما أطلق مسلح النار عليه خلال تجمع انتخابي.

ويعدُّ خان شخصية مستقطبة في السياسة الباكستانية، ويفتخر بقاعدة كبيرة وملتزمة. لو كان قد قُتل، كان من السهل أن نتخيل دخول باكستان في صراع أهلي واسع النطاق. لكن جميع الأحزاب السياسية الرئيسية، على الرغم من خلافاتهم الشديدة، تحاول جاهدة الحفاظ على سلامة البلد، ويظل للجيش الحكم النهائي في السياسة. لكن الاقتتال السياسي المؤذي، والتغييرات المتكررة في القيادة جعلت الإشراف على الاقتصاد أكثر صعوبة؛ ما وضع باكستان على الطريق نحو مشكلات أعمق.

وقال عارف رفيق، زميل غير مقيم في معهد الشرق الأوسط ومتخصص في شؤون باكستان: «إن تفتت الدولة مستبعد، لكن يمكننا أن نرى أزمة اقتصادية عميقة تدفع العديد إلى ما دون خط الفقر، وتضع سلعًا بسيطة بعيدًا عن متناول اليد، وتزيد من انعدام الأمن الغذائي، وتثير أيضًا الغضب بين الجمهور. يمكن أن يكون لذلك عواقب سياسية حقيقية، ليس فقط للأحزاب السياسية، ولكن أيضًا للجيش. إذا كانت الدولة غير قادرة على تلبية الاحتياجات الاقتصادية للشعب والرد بالقوة فقط، فسيؤدي ذلك فقط إلى مزيد من الغضب.

وأكد حسين أن باكستان تشهد تصاعدًا للإرهاب من قبل الجماعات الإسلامية المتطرفة، فضلًا عن المسلحين «العرقيين» في إقليم بلوشستان الغني بالموارد. وأعلنت حركة طالبان الباكستانية، التي قتلت آلاف الباكستانيين خلال الحرب على الإرهاب، عودتها بهجوم انتحاري مروع الشهر الماضي أسفر عن مقتل أكثر من 100 مُصلٍّ كانوا يؤدون صلاة الجمعة في مسجد.

ويعد الهجوم علامة تحذير على أن عدم الاستقرار في أفغانستان المجاورة، التي عانت من عشرات الآلاف من القتلى خلال العقدين الماضيين من الاحتلال الأمريكي، قد يؤثر مرة أخرى في باكستان.

وامتدت الأزمات الاقتصادية والسياسية أيضًا إلى التعافي البطيء للملايين في جميع أنحاء البلاد بعد الفيضانات التاريخية التي حدثت العام الماضي، والتي أدت إلى غرق ما يقرب من ثلث مساحة الأراضي الباكستانية وتسبب في نزوح الملايين من أفقر مواطنيها.

وعلى الرغم من أنه يمكن إلقاء اللوم في الكارثة جزئيًّا على تغير المناخ الذي تسببه الدول الغنية، فإن المساعدات الدولية كانت بطيئة وهزيلة؛ مما ترك باكستان بمفردها في الغالب لتحمل المسؤولية.

أخبر رئيس الوزراء السابق، آصف علي زرداري، المشهور بفساده الشخصي الغريب، ذات مرة الدبلوماسي الأمريكي ريتشارد هولبروك أن باكستان أكبر من أن تفشل، مشبهًا البلاد بالبنوك الأمريكية التي تلقت عمليات إنقاذ ضخمة لمنع الانهيار في عام 2008. وعلى الرغم من أن باكستان، وخامس دولة من حيث عدد السكان في العالم، فليس من الواضح بعد ما إذا كان قادتها يستطيعون توحيد أنفسهم وإيجاد طريقة للخروج من الأزمات الأسوأ في تاريخ البلاد.

ويختتم حسين بقول رفيق: “هناك حالة عدم يقين هائلة، حيث لا يعرف الناس ما إذا كانت باكستان ستتخلف ببساطة عن سداد قروضها الخارجية في وقت ما من هذا العام. وهناك مخاطر متزايدة في جميع المجالات، وكل مؤشر رئيسي اتخذ منعطفًا هبوطيًّا. من الصعب رؤية طريق للاستقرار لأن شرعية الحكومة تأتي من قدرتها على التعامل مع الاقتصاد، ولن تتحسن الأمور في المستقبل المنظور”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *