الحرب العالمية الثالثة ستشتعل بعد عامين

الحرب بين الصين وأمريكا قد تنشب بعد عامين، صدر هذا التحذير من قائد أمريكي كبير مؤخراً بما يحمله من خطر اندلاع حرب عالمية ثالثة بعد أن حلل تطور قدرات الجيش الصيني وأهدافه السياسية والعسكرية. هذه المذكرة الصادمة صدرت عن أحد كبار جنرالات الجيش الأمريكي وهو القائد البارز في القوات الجوية مايكل مينيهان، وهي تمثل الحلقة الأخيرة في سلسلة التنبؤات المقلقة بأن القوتين العسكريتين الأبرز في العالم تواجهان خطر الاصطدام بشكلٍ مباشر، وسيحدث ذلك لتحديد مصير تايوان على الأرجح، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.

وعزا الجنرال مايكل مينيهان مخاوفه إلى رغبة الرئيس الصيني شي جين بينغ في ضمان ولايةٍ ثالثة في السلطة، وإلى الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل في تايوان، وقال إنهما من الأسباب الرئيسية التي تستلزم تسريع عملية إعداد القوات. وقد تتوسع الحرب بين الصين وأمريكا إلى حرب عالمية ثالثة، خاصة مع احتمال انضمام اليابان لواشنطن وكذلك سيول وأستراليا، إضافة لاحتمالات مشاركة بعض الدول الأوروبية، ولا سيما بريطانيا، رغم أن مظلة حلف الناتو لا تشمل آسيا، ولكن ميثاق الحلف يؤكد أن أي اعتداء على دولة بالحلف هو اعتداء على بقية الأعضاء.

كما أن الهند غريم للصين، وقد يسعدها تقديم بعض المساعدة على الأقل لواشنطن ضد بكين دون التورط المباشر، بينما قد يكون لروسيا موقف داعم مماثل لبكين. أما الخطر الأكبر في مثل هذه الحرب، فهو احتمال لجوء الطرفين للأسلحة النووية، علماً بأن هناك فارقاً كبيراً في الأسلحة النووية وقدرات توصيلها بين الصين وأمريكا لصالح الأخيرة، إلا أن بكين صاحبة أعلى معدل توسع في الرؤوس النووية في العالم، وكذلك توسع قدرات إيصالها، إضافة لجهودها لتعزيز قدرات الدفاع الجوي لحماية نفسها من أي هجوم أمريكي.

يحاول المسؤولون الأمريكيون تبرير مخاوفهم من الصين وتهديدها العسكري المزعوم بطموحات الرئيس الصيني عادةً؛ حيث يقولون إن شي تخلى عن مبدئه المتمثل في أن الصين يجب عليها أن “تنتظر فرصتها وتخفي قوتها”، واتجه إلى تأجيج مشاعر القومية وتبنّي المواقف الدبلوماسية الحازمة. ويشيرون إلى أن الرئيس الصيني يقول إن مشكلة تايوان لا يمكن أن تُمرَّر من جيلٍ إلى جيل، مما دفع بعض المحللين الغربيين إلى المجادلة بأنه يعتبر توحيد الصين بمثابة مهمته التي يجب أن ينهيها.

وبينما يقدمون تايوان بأنها القضية الأكثر حساسية في العلاقات الثنائية بين البلدين، فإنهم لا يركزون على حقيقة أن قلق أمريكا من صعود الصين كقوة عظمى سياسية واقتصادية وعسكرية منافسة لها، كسببٍ للخلاف بين البلدين، وصحيح أن تايوان قد تكون حليفاً مهماً لأمريكا، إلا أنها أيضاً أحياناً أداة في يدها لمناوءة الصين وتعطيل صعودها وتخويف محيطها الآسيوي منها.

وتتم عادة تجاهل دور السياسات الأمريكية والتايوانية في استفزاز بكين، بينما يتم التركيز على ردود فعل بكين على اختراق واشنطن وتايبيه للأعراف السائدة في هذه القضية، والتي ضمنت عدم انفجارها لعقود.

بينما ما  لا يتم التركيز عليه في الغرب أن سياسة الصين تجاه تايوان لم تتغير كثيراً؛ بل ما تغير هو سلوك واشنطن وتايبيه.

فما تزال “إعادة التوحيد السلمية” تمثل الخيار المفضل لدى الحزب الشيوعي من أجل حل خلافاته مع تايبيه؛ لكن الصين لن تتخلى عن حقها في استخدام القوة عند الضرورة أبداً، على حد تعبير شي في اجتماعٍ بكبار مسؤولي الحزب مؤخراً؛ حيث أردف أن الصين تريد إبقاء هذا الخيار مطروحاً حتى تردع “قوى الاستقلال في تايوان” وكذلك “التدخلات الخارجية”؛ أي: الولايات المتحدة الأمريكية.

ومنذ تطبيع العلاقات بين الصين وأمريكا في السبعينيات، رفضت بكين التعهد لواشنطن بأن تتخلى عن حقها في اللجوء للقوة لإعادة توحيد تايوان والصين، وفي الوقت ذاته كانت سياسة بكين المعلنة أنها تفضل اللجوء للوسائل السلمية لتحقيق هذا الهدف.

وترى بكين أن الولايات المتحدة هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن التوترات الدبلوماسية والعسكرية؛ حيث أصدرت الصين الورقة البيضاء الرسمية الخاصة باستراتيجية تايوان، بعد زيارة نانسي بيلوسي الأخيرة، واتهمت خلالها واشنطن “باستغلال تايوان لاحتواء الصين”.

تتجاهل التقارير الغربية التي تتناول سياسة الصين تجاه تايوان، أن جزءاً من المشكلة سببه الغرب؛ لأنه سياسته تتجاهل بل تستفز مبدأ الصين الواحدة الذي تعترف به كل الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة، حيث إن كل الدول الغربية تقريباً لا تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع تايوان.

والمفارقة هنا أن تايوان والصين نفسهما كانتا تتفقان منذ انشقاق الجزيرة على سياسة الصين الواحدة، ولكن تختلفان على من يمثلها بكين أم تايبيه، إلا أن تايوان بدأت في التخلي عن هذا المبدأ. ولكن التوجهات الانفصالية ازدادت قوة في البلاد مؤخراً بدعم من الغرب، وقد يكون بسبب سياسة الرئيس الصيني الحالي الأكثر تشدداً.

وتعترف الولايات المتحدة حالياً بجمهورية الصين الشعبية، باعتبارها الحكومة الشرعية الوحيدة للصين، وقبل ذلك كانت تعترف بأن حكومة تايوان هي بمثابة حكومة الصين الشرعية الوحيدة.

في 23 مايو/أيار 2022، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الولايات المتحدة ستتدخل عسكرياً إذا قامت الصين بغزو تايوان من جانب واحد، وقال: “هذا هو الالتزام الذي قطعناه على أنفسنا”، في إشارة واضحة إلى قانون العلاقات مع تايوان، الذي يضمن الدعم العسكري لتايوان، على الرغم من أن القانون لا يضمن على وجه التحديد العمل العسكري المباشر من قِبَل الولايات المتحدة في تايوان.

صرح بايدن لاحقاً بأن ملاحظاته لا تمثل تغييراً عن الوضع الراهن وموقف الولايات المتحدة من الغموض الاستراتيجي، كما ألقى وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن خطاباً ذكر فيه أن سياسة الولايات المتحدة بشأن الجزيرة لم تتغير، وقامت وزارة الخارجية الأمريكية بتحديث صحيفة الحقائق الخاصة بها لإعادة سطر يقول: “نحن لا ندعم استقلال تايوان”.

تحت إصرارٍ من شي، يُحرز الجيش الصيني تقدماً سريعاً نحو هدفه المتمثل في أن يصبح قوةً محاربة عالمية على نفس مستوى الولايات المتحدة بحلول عام 2050. ولا تتمتع القوات الصينية بخبرةٍ قتالية فعلية، لكن ميزانية الدفاع الرسمية ارتفعت من 114.3 مليار دولار عام 2014 إلى 230 مليار دولار عام 2022. وربما يكون الرقم الحقيقي أكبر بكثير.

ومع ذلك، لا تساوي تلك الميزانية سوى جزء صغير من ميزانية الدفاع الأمريكية، التي تحددت عند 816.7 مليار دولار للسنة المالية 2023.

ولكن عند الوضع في الاعتبار أن القوة الشرائية للدولار في الصين أعلى كثيراً من الولايات المتحدة؛ حيث تبلغ النسبة 1 إلى 1.67، أي إن قيمة النفقات الدفاعية الصينية الفعلية وفقاً للقيمة الشرائية للدولار، في الصين نحو 385 دولاراً، ولكنها تظل أقل بشكل ملحوظ من النفقات الدفاعية للولايات المتحدة.

ويتمثل الهدف الرئيسي لتطوير الجيش الصيني في اكتساب القدرة على الاستيلاء على تايوان بالقوة. وقد رفع جيش التحرير الشعبي وتيرة عروض قوته في الأشهر الأخيرة. كما أجرت بكين تدريباً على حصار تايوان رداً على زيارة بيلوسي في أغسطس/آب.

وعادةً ما تُحلّق المقاتلات الصينية بالقرب من المجال الجوي التايواني. ولم نكن نسمع برحلات جوية تخترق الحدود غير الرسمية بطول مضيق تايوان قبل عام 2021، لكنها تحولت إلى أمر روتيني بنهاية 2022.

يجري طرح الكثير من التواريخ عند الحديث عن الغزو العسكري المحتمل لتايوان. ويتمثل أحد التواريخ في عام 2027، الذي سيشهد الذكرى المئوية لتأسيس جيش التحرير الشعبي. بالإضافة إلى عام 2035، الذي يريد شي للصين أن “تُنهي تحديثها الاشتراكي الأساسي” خلاله. وكذلك عام 2049 الذي سيمثل الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. ويبدو أن تاريخ 2025 أصبح احتمالية مطروحةً الآن وفقاً لمينيهان.

وسنجد أن أولئك الذين يدقون نواقيس الخطر حيال الغزو الصيني الوشيك بحسب وجهة نظر الغرب (أو التوحيد بحسب وجهة نظر بكين) يستشهدون في حديثهم بتغير موازين القوى العسكرية، وكذلك خطاب شي الذي يصفونه بالعدواني الذي يُعبر عن عزمه على تحقيق الوحدة خلال عهده، حسب قولهم. لكن الخبراء انقسموا حول ما إذا كان لدى الزعيم الصيني تاريخ محدد في ذهنه أم إنه لم يضع جدولاً زمنياً من الأساس.

إذ قال تشو فينغ، العميد التنفيذي لمعهد الدراسات الدولية في جامعة نانجينغ: “يمثل الردع العسكري الطريقة الوحيدة المضمونة لمنع تايوان من المضي قدماً في خطط الاستقلال، وذلك من وجهة نظر بكين”؛ لكن الصين لا تزال غير مستعدةٍ للحل العسكري، وتُدرك أن استخدام القوة قد يُولِّد بيئةً دولية عدائية، تشبه تلك التي تواجهها روسيا منذ هجومها على أوكرانيا.

ويشعر تشو بالقلق من أن “كل جانب قد يواصل تأطير القضية بطريقته الخاصة، تاركين التوترات العالقة لتجبرهما على السير نياماً في اتجاه الصراع العسكري”. ومن هذا المنطلق، يرى تشو أن مذكرة مينيهان تمثل تنبيهاً جاء في وقته للطرفين، ليُدركا أن “عليهما التوقف عن التعامل بتعالٍ مع القضية التايوانية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *