محاربة التطرف – دور المؤسسات الإسلامية في ألمانيا والنمسا

تستحوذ قضية محاربة التطرف على الاهتمام الأكبر في ألمانيا والنمسا طوال العامين الماضيين، عقب رصد الأجهزة الاستخباراتية صعود نفوذ التيارات الإسلامية داخل المؤسسات التعليمية والدينية والمجتمعية، ما تسبب في انتشار الأفكار المتطرفة وجعل أوروبا هدف للعمليات الإرهابية في السنوات الأخيرة، الأمر الذي يعزز دور المجالس الإسلامية في دمج المسلمين داخل المجتمعين، ويزيد المسؤولية على عاتق مسؤولي البلدين لتتبع تحركات التيارات المتطرفة.

في ألمانيا يبرز دور المجلس الأعلى للمسلمين كحلقة وصل بين مؤسسات الدولة والجالية المسلمة التي تقدر أعدادها ما بين (5.3) إلى (5.6) مليون مسلم لحضوره الإعلامي وعلاقته القوية مع وزارة الداخلية، وقرر المجلس في 1997 التعريف بالدين الإسلامي ومناقشة القضايا الاجتماعية عبر يوم “المسجد المفتوح” حيث تفتح المساجد أبوابها أمام الألمان خلال يوم 3 أكتوبر من كل عام. وطرح في يوم المسجد المفتوح لعام 2022، تداعيات الحرب الأوكرانية والتغيرات المناخية، ورفع (1000) مسجد شعار” ندرة الموارد – مسؤولية كبيرة” للتوعية بالأزمة الاقتصادية. وفي الفترة من 14 إلى 17 مارس 2022، دعا المجلس رجال دين وأئمة وسياسيين للمشاركة في أسابيع مناهضة العنصرية، لاستعادة ثقة السياسيين بشأن مكافحة التطرف والالتزام بالدستور عقب انتقاده لعلاقته بالإخوان. محاربة التطرف في ألمانيا ـ جدلية الإسلام والإسلام السياسي. ملف

على مدار السنوات الماضية توطدت العلاقة بين المجلس ووزارة الداخلية بتمويل مشروعات مكافحة التطرف ودعم دمج المسلمين والتواجد سويا في مؤتمرات سنوية مثل مؤتمر ” الإسلام في ألمانيا” الذي يقام تحت رعاية الداخلية. وفي نهاية 2019 طالب مسؤولو المجلس الحكومة بتوفير التمويل للمساجد وأئمة من الداخل للمسلمين بالجيش الألماني وتأهيل الأئمة لحماية الجالية من التطرف. وجاءت استجابة الداخلية بتنفيذ برنامج تدريب الأئمة بمشاركة المجلس، وتقديم مخصصات لـ (50) مسجد تصل إلى (7) ملايين يورو على مدار (3) أعوام.

انبثق المجلس من مجموعة العمل الإسلامية بألمانيا في 1994، ويضم نحو (10) آلاف شخص و (10) منظمات متعددة الانتماءات و(4) اتحادات إسلامية لمتابعة شؤون الجالية الدينية والاجتماعية وقضايا التعليم الإسلامي ومناقشة تحديات إدماجهم سياسياً واجتماعياً وتأهيل الأئمة مع المؤسسات الألمانية. ومن أشهر الجمعيات التي ضمها “التجمع الإسلامي” و”المركز الإسلامي في آخن” و”المركز الإسلامي في هامبورغ”، ومجلس الأئمة والعلماء بألمانيا. وتدريجيا ومع اتهام هيئة الاستخبارات لهذه الجمعيات بالتعاون مع الإخوان، شكل المجلس هيكل غير مركزي، وأعلن في 31 يناير 2022 إنهاء علاقته بأهم أعضائه “التجمع الإسلامي” وطرد المركز الإسلامي في ميونيخ واتحاد الطلبة التابع للإخوان وجرد إبراهيم الزيات المعروف باسم ” وزير مالية الإخوان في ألمانيا” من جميع مناصبه بالاتحاد في 19 سبتمبر 2022. ويسعى المجلس للتأكيد على موقفه المناهض للعنصرية، لضمان استمرار الدعم المقدم من الحكومة والحفاظ على دوره كالصوت الأوحد للجالية والأقرب لصناع القرار.

انطلق مؤتمر “الإسلام الألماني ” في7 ديسمبر 2022 تحت رعاية الداخلية وبحضور (160) ممثلاً للجالية المسلمة والوزارات والمؤسسات الدينية. ويعد منتدى رئيسي للحوار بين الحكومة والجالية حول قضايا الأئمة والمساجد ومكافحة الإسلاموفوبيا.

الإجراءات الحكومية لا تستهدف فقط تقويض عمل الإخوان، بل ترتبط بأهمية الفصل بين الإخوان والمساجد والمؤسسات الإسلامية لتتمكن من دمج المسلمين بالمجتمع، لذا تتجه إلى استحداث سجل مركزي للجمعيات لمتابعة التمويل في 2024. وكان عام 2022 نقطة فاصلة في الإجراءات ضد الإخوان بألمانيا برصد الاستخبارات في 10 يناير 2022 ارتفاع الجمعيات الداعمة للإخوان إلى (960) جميعة، وقدم حزبي البديل من أجل ألمانيا واليسار طلبات إحاطة للبرلمان لتشديد مراقبة أموال الإخوان خلال شهري مارس ويوليو 2022، وكشفت وثيقة للبرلمان في 9 يونيو 2022 عن تلقي الإخوان دعم من بعض الأحزاب ومؤسسات حكومية. وفي 18 سبتمبر 2022 أعلنت الداخلية وقف عمل لجنة خبراء ” الإسلام السياسي” التي تأسست في 2021 لمتابعة أنشطة الإخوان بألمانيا.

ينص الدستور الألماني على حرية ممارسة الشعائر الدينية، وطُبقت مبادرة تدريس الإسلام بولايات “بافاريا” و “شمال الراين وستفاليا” و ” سارلاند”. وارتبط يوم المسجد المفتوح بمقولة الرئيس الأسبق كريستيان فولف ” الإسلام الآن ينتمي لألمانيا أيضا”، الأمر الذي يفعل دور المساجد في تناول القضايا المجتمعية ويعزز دمج الجالية كمسؤولية مشتركة بين المؤسسات الإسلامية والحكومة. وسمح المؤتمر الإسلامي السنوي فتح حوار مؤسسي منتظم بين الجالية والحكومة، لإعداد ورش عمل لتحقيق الاندماج وإتاحة الفرصة للألمان لمشاركة المسلمين مناسباتهم ومشاركة الجالية مناسبات الألمان

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا

بون ـ  إعداد: داليا عريان ـ  باحثة في المركز الأوروبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *